11 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لقد باتت مشكلة الإرهاب التي عانت منها تركيا لمدة 40 عامًا، قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى نقطة الحل، وذلك بالتزامن مع التصريح الذي صدر عن "عبد الله أوجلان"، في 21 مارس 2015 (يوم النوروز). خاصة أن الجمهورية التركية خاضت كفاحًا طويلًا ضد منظمة "البي كا كا"، خلال القرن الماضي، ودفعت خلال ذلك الكفاح ثمنًا باهظًا. المشكلة تكمن في المفهوم الذي تأسست عليه الجمهوريةإن المشكلة الأساسية، كانت تكمن في المفهوم الذي تأسست عليه الجمهورية التركية، حيث تأسست استنادا إلى الهوية التركية، ما أفرز رفضًا لباقي الهويات العرقية واللغوية الموجودة في داخلها، إضافة إلى أن نظام الجمهورية، الذي دوَّن عبارة "ما أسعد من قال إني تركي"، على أهم الميادين والساحات العامة، وعلى أهم الكتب الرسمية، لم يأخذ أوضاع المواطنين الذين لا ينتمون إلى "العرقية التركية" في الجمهورية بعين الاعتبار. ورغم التأكيد المستمر على أن "التركية" لا تشكل مفهوم انتماء عرقي، بل هي اسم جامع لشعب متعدد الأطياف، إلا أن المشكلة حافظت على زخمها واستمراريتها في هذا الصدد.في الواقع، لم يُسمَح بالتحدث باللغة الكردية والكتابة بها في تركيا لسنوات طويلة، كذلك لم يسمح باستخدام الكلمات الكردية أيضًا، بل حتى أن الجنرال "كنعان أفرين"، الذي قاد عام 1980 انقلابًا عسكريًا، واستولى على السلطة في تركيا، ذهب إلى حد القول بأنه لا وجود لشعب كردي، وأن الأكراد أنفسهم من أصول تركيّة. لقد شهدت المنطقة في تلك المرحلة، تعاظمًا للحس القومي، وتنامياً للمفاهيم التي تمجّد الهوية العرقية، حيث ذهب البعض – مثل الجنرال كنعان أفرين – إلى تقديس عرقه، واعتباره النموذج الأسمى، وإنكار وجود الهويات الأخرى، أو التقليل من شأنها. مشكلتنا تكمن في مفهوم "الدولة القومية"إن مشكلة "الدولة القومية"، التي هي إحدى مفرزات الثورة الفرنسية، باتت تشكل مشكلة تواجه العالم بأسره، سيما أن تفكك الدولة العثمانية، وانقسامها إلى 64 دولة قومية، جاء أصلاً بعد الثورة الفرنسية، وتحت تأثيرها. ورغم أن مفهوم "الدولة القومية"، يعتبر من المفاهيم التي ترفضها الحضارة الإسلامية وتنتقدها بشدّة، إلا أن ذلك المرض وللأسف، قد ألم بالحضارة الإسلامية وسبب لها خسائر كبيرة، وها نحن اليوم نعيش مشاكل حقيقية وخطيرة ومزمنة، أفرزتها الأفكار والتيارات القومية العربية، والتركية، والفارسية، والكردية وغيرها.. إن ظهور منظمة "بي كا كا" قبل 40 عامًا، كان بسبب مفهوم الدولة القومية، الذي تجاهل الشعب الكردي وأنكر وجوده، وحرمه من لغته، وثقافته، وقد نمت تلك المشكلة على مدار 40 عامًا، واتسعت رقعتها، لتصبح مشكلة إقليمية، ثم لتتحول إلى أزمة تدخلت فيها قوات دولية، كما أن مشكلة الإرهاب التي استمرت 40 عامًا، حصدت أرواح نحو 40 ألف شخص، وتسببت في تعرض الآلاف لجروحٍ مختلفة، فضلاً عن الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد التركي. لقد كانت الدول الغربية، الداعم الأكبر لمنظمة "بي كا كا"، حيث زودت تلك الدول سراً المنظمة بالأسلحة، وقدمت لها الدعم المالي والإعلامي والسياسي، لقد أدرك الرئيس التركي الراحل والذي يعتبر أحد أهم السياسيين في تركيا "تورجوت أوزال" تلك الحقائق، وبذل جهوداً مكثفة لحل تلك المشكلة، إلا أنه لم يتمكّن من الحصول على النتيجة المرجوّة آنذاك. متى بدأت المشكلة الكردية تتجه نحو الحل؟عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002، وجد أن "المشكلة الكردية"، تشكل واحدة من المشاكل المهمة التي تقف في مواجته. نظر رجب طيب أردوغان، إلى المشكلة الكردية من وجهة نظر إسلامية، وأكّد بشكل مستمر على أنه لا وجود لأفضلية عرقية بين الشعوب، واتجه نحو إيجاد حلّ للمشكلة الكردية على مراحل، كما اتخذ خطوات فعلية، منذ عام 2005، على صعيد قبول الهوية الإثنية الكردية، وإزالة الحظر الذي فرض على اللغة الكردية في العهود السابقة، فضلاً عن سلسلة من الإجراءات التي فتحت المجال للنشر والطباعة باللغة الكردية واستخدامها في وسائل الإعلام. استطاع أردوغان التخلص من القيود والمحرمات التي لازمت تركيا طيلة نحو قرنٍ من الزمن، حيث تم استخدام اللغة الكردية في التلفزيون الوطني التركي ال (تي آر تي)، وبثّت الأخبار باللغة الكردية في وكالة الأناضول للأنباء. لقد امتلكت تلك الخطوات أهمية خاصة، حيث شكلت نهاية فعلية لسياسة الإنكار والصهر القومي، اللذين مورسا على مدى سنوات طويلة. البدء بعملية ترميمٍ وتطبيعٍ اجتماعيإن المسافة التي تم قطعها في تركيا، خلال السنوات العشر الأخيرة، على طريق إيجاد حلّ للمشكلة الكردية - التي تعود جذورها وتراكماتها إلى السنوات المائة الماضية - تظهر بأن الحل بات قريباً، أكثر من أي يومٍ مضى، إضافة إلى أن أردوغان، أظهر إرادة قوية، من أجل إيجاد حلّ لتلك المشكلة، وتَحمَّل جميع المخاطر الانتخابية، التي ما كان لسياسي آخر تحملها، في الوقت الذي حصل فيه على أصوات ودعم الشريحة الأوسع من القوميين الأتراك.في السياق نفسه، أود الإشارة إلى نقطة هامة نوه إليها زعيم منظمة البي كا كا، "عبد الله أوجلان"، في الرسالة التي قرئت خلال الاحتفال بمناسبة عيد النوروز، في مدينة "دياربكر" جنوب شرقي تركيا، يوم 21 مارس الجاري، حيث قال: "نقف اليوم على عتبة مرحلة تاريخية مهمة، وكما أن نضال حركتنا المليء بالآلام خلال السنوات الأربعين الماضية، لم يذهب سدى، فقد وصل أيضاً لمرحلة لا يمكن الاستمرار فيها بنفس النهج". لقد تمكن أوجلان من رؤية انسداد الطريق وعدم إمكانية الوصول إلى حل من خلال اعتماد العمل المسلح، وهكذا نستطيع القول إن مشكلة منظمة آل "بي كا كا"، التي تعتبر واحدة من أهم المشاكل التي عانت منها تركيا والشرق الأوسط، قد اتجهت نحو التخلص من السلاح والعنف، إلا أن التأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية لتلك الحقبة ستستمر لسنوات عديدة.والآن، تقف تركيا على عتبة مرحلة جديدة، ينزل فيها أفراد الميليشيات التابعين للمنظمة من الجبال، فيما يخرج آخرون من محبسهم، لتبدأ عملية دمج أولئك الأشخاص بالحياتين الاجتماعية والسياسية، إن هذه المرحلة لن تكون سهلة أبدًا، وعلينا عدم إغفال المصاعب والمشاكل التي ستتمخض عنها.