12 سبتمبر 2025
تسجيلالإعلام العربي منذ بزوغ فجره على العالم لم يكن مجرد مصدر للأخبار إنما كان نبعا للثقافة ومدرسة للقيم والمبادئ والمشاعر السامية بكل مجالاته المسموعة والمرئية والمقروءة وكان على مر الأيام رافدا يغذي الفكر قبل العين وشيئا فشيئا اندثرت ثقافة الإعلام العربي لتصبح إما سياسية بحتة وإما غنائية غارقة في إيقاعات الفن الهابط. فمع تسارع وتيرة الأحداث والمتغيرات حولنا صار الإعلام العربي في ركض لاهث إما خلف الأحداث والفوز بالسبق لتغطية الحدث وإما بإغراق الجمهور في بحر من الأغاني والرقص على الجراح على مدار أربع وعشرين ساعة وعندما أقول الأغاني لا أقصد بالطبع أغنيات الزمن الجميل وإنما أقصد الموجة الفنية الهابطة التي اكتسحت الساحة وفرضت نفسها وبقوة تلك البعيدة كل البعد عن آلامنا وهمومنا والتي استطاعت أن تجذب إليها نسبة لا يستهان بها من المتابعين. نحن عندما نطالع القنوات العربية نجدها إما إخبارية أو غنائية هذه هي السمة الغالبة على القنوات فالتخصص أصبح بالنسبة للإعلام عاملا من عوامل النجاح كما يعتقدون وهكذا اختفى التنوع الجميل الذي كان ينقل المشاهد إلى عالم جميل من خلال صندوق الدنيا الذي ما كنا نفتحه إلا ونجد نوافذ نطل من خلالها على العالم الجميل المفعم بالحب والفن والدهشة والبساطة فالقناة الواحدة كانت موجهة للجميع صغارا وكبارا مثقفين وفنانين وسياسيين. المشكلة الأكبر أن قنوات الأطفال والتي توجهت للطفل بشكل خاص هي أيضاً اختارت أن تندرج تحت القنوات الغنائية فاعتمدت على أن توصل الرسالة الإعلامية والتربوية إلى الطفل من خلال الأغاني كل المعلومات والإرشادات صارت مجرد أغان وكأن الطفل لم يعد يفهم إلا لغة الأغاني. غياب التنوع عن هذه القنوات أصاب المشاهد بالملل لدرجة أنه صار يبحث عن بديل آخر بأي لغة كانت. هذا الفتور والجمود انتقل للأسف إلى بقية وسائل الإعلام العربي وتغلغل في عروقها دون أن يلاحظ القائمين عليها ذلك. كم أتمنى أن نجرب فقط لمجرد التجربة العودة إلى المدرسة الإعلامية القديمة. أن نحاول استرجاع ما تبقى من الزمن الجميل. أن يعرض الإعلام إحدى مواده النادرة القديمة بدلا من أن يستورد موادا دخيلة لعرضها. أن ينزل الإعلام العربي ولو قليلاً عند رغبة الجمهور ويحاكي إحساسه ومشاعره ويكون قريبا منه وجزءا من أفراد البيت كما كان.