14 سبتمبر 2025

تسجيل

مأزق الربيع العربي

25 فبراير 2013

عندما قامت ثورات الربيع العربي تحمس الكثير وظنوا أن الأمور تتغير بسهولة، ولعب الإعلام والمظاهرات دوراً كبيراً في إيجاد رأي عام أن المنطقة مقبلة على مستقبل وإصلاح، ولكن للأسف لم يفكر أحد أن التغيير لم يكن بهذه البساطة وأن التغيير ليس بتغيير الأسماء والعناوين، فهناك تراكمات وثقافات وسلوكيات ترسخت لسنوات، كما أن هناك قوى متعددة لها أفكار متناقضة، أضف إلى ذلك أن الحكومات القسرية كانت تمنع مثل هذه القوى من الظهور، مثلما كان العراق الذي تم تغييره ليخرج واقعاً مريراً أسوأ مما كان، لأن الوضع الذي حكم العراق صدام والوضع في مصر في عهد مبارك أو تونس ابن علي ليست عنوان شخص وإنما هي صورة سلوك في الأمة ومدرسة تأسست في سلوك العرب للأسف، وإن الفئات مهما اختلفت فهي تمارس نفس السلوك. ولقد تحرك الشارع الذي أصبح اليوم غير قابل للانضباط لعدم وجود دولة وعدم الاتفاق على شكل الدولة القادمة، وللأسف الإسلاميون وقعوا في فخ وخطأ كبير بظنهم أن التغيير يأتي من خلال وصولهم للسلطة متجاهلين الواقع والتركيبة السياسية والفكرية والثقافية، وظنوا أنهم كسبوا الأصوات فهذا يعني أنهم أمل المجتمع وأن هذه الأصوات تعني أنهم يستطيعون أن يحكموا بما دعوا له وأن المجتمع ينتظرهم بفارغ الصبر، ولكنهم فوجئوا بأن الشارع عاطفي وأن غيرهم استطاع أن يستغل الآثار الناجمة عن الأحداث بعد أن وجدوا أنفسهم خارج اللعبة، وكان الأولى أن يقرأوا الواقع للبلاد وأنهم كانوا في الظرف الحالي بحاجة إلى مشاركة لإعادة بناء الوضع الجديد وتأسيس دولة من خلال الدستور والمؤسسات على ضوء التوافق في المرحلة الانتقالية، عند ذلك ومن خلال قيام مؤسسات دستورية بموافقة جماعية وإجماع، وبعد إجراء الانتخابات، عند ذلك يستطيع الإسلاميون أو غيرهم تقديم برامجهم من خلال المؤسسات وإنهاء فوضى الشارع، ولكن الذي حصل هو أن كل فئة تريد أن تحصل على أكبر المكاسب، والكل تجاوز موضوع بناء الدولة والمؤسسات والشعارات التي تم رفعها. كان على الجميع وخاصة من تحمس أن ينظروا لنموذجي العراق والسودان، فالعراق، ذهب صدام وجاءت المعارضة وتم إقصاء وتصفيات قوى المعارضة بأطيافهم وتتحول الدولة إلى طائفية وإلى قمع أشد من صدام وإلى دمار وإلى أضخم كارثة إنسانية وأبشع جرائم بحقوق الإنسان وإلى إنهاء وجود دولة وتدمير شعب وديكتاتورية أبشع، وفي السودان عندما تم تهميش الفئات الأخرى مع الإقرار بوجود أخطاء في هذه القوى ولكنها موجودة يستحيل نكرانها، لذا أدى ذلك إلى انقسام الجبهة إلى حزب المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وإلى حرب دارفور وانفصال الجنوب وبروز أزمة جنوب كردفان وصراع من الجوار وأزمة مع الدول الكبرى وتحرك المعارضة بقوة ضد النظام حتى ولو كان ذلك على حساب سيادة البلاد، وتمت محاورات لم تصل لطريق ومازال الشعب السوداني المثقف الذي تشرد منه أعظم الإعلاميين والمفكرين والأطباء والاقتصاديين لخارج البلاد وإن القضية ليست السودان وإنما صراع وعناد ولو على دمار البلاد وإنما شعارات فقط من الجميع للأسف. لذا وجدنا في مصر صراعات لا يستهان بها، تدمر الاقتصاد وتخل بالأمن ركني الحياة "أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" ولكن وقعت مصر بين عناد السلطة وقلة الخبرة واللامبالاة وأصبحوا في مأزق إما الاستمرار فهذا يعني الدمار وانهيار البلاد وإما الترك وهذا فشل ونهاية يصعب إعادة بنائها لسنوات، وكذلك معارضة تريد أن تنظم لفشلها وعدم قبولها بنتائج الانتخابات واستعدادها للسير إلى النهاية مهما كانت النتائج، وللأسف أن مصر وشعبها ليسوا موضوعين في حساب الطرفين وأن المعركة القائمة لا علاقة لها ببناء مصر وأكثر الناس سعادة هم مبارك ومن معه من جهة وإسرائيل من جهة أخرى لإضعاف مصر وإن أمنها أصبح قوياً وأصبحت أقوى الدول في المنطقة ولتقول للغرب نحن حلفاؤكم الحقيقيون وهؤلاء هم العرب. أما التجربة اليمنية فهي رغم قبول البعض بالمشاركة إلا أن القوى الوريثة للوضع لم تفكر في موضوع إعادة سيادة الدولة وبسط نفوذها كإجماع وطني وموضوع الأولوية وإنجاح المؤتمر الوطني.. نجد أن هناك ثلاث قوى هي الحوثيون ومن وراءهم والحراك والجماعات المتطرفة تريد تنفيذ أجندة لدول وتقسيم البلاد وإفشال الدول لأغراض إما شخصية وإما أجندات طائفية وعرقية وخارجية وللأسف فإن عدداً كبيراً من الساسة والقيادات السياسية تحرض على الحصول على مكاسب، وأما الشباب للأسف فهو سار ومن معهم في برنامج غير واضح فكرياً وأصبح مرتعاً لكل التيارات الفاشلة كالناصرية والشيوعية وغيرهما وسوق للشعارات دون وجود تحصين كل هذا بسبب عدم الرؤية للكثير. والتجربة السورية مازالت تنزف وتعيش أكبر مأساة ومجزرة بشعة تنفذها إيران وأتباعها بدعم روسي ورضا غربي وأن الغرب الذي تدخل في مالي لمصالح معينة لم يتدخل في سوريا وتركها تنزف لأجندة مخفية، ولو أراد لمنع بغداد من إدخال الأسلحة ومنع الطائرات الإيرانية ولكن غض النظر لتحقيق الاستنزاف والدعم الإعلامي الذكي والاكتفاء به على مذهب أهديتك مساعدة مليون سمكة بالبحر ومليون طائر في السماء فيا له من كرم. والتجربة التونسية تتأرجح وهي في الطريق لانشقاقات الصراع لشركاء السلطة وعدم إدراك الإسلاميين للواقع والعوامل الخارجية ومصالح فرنسا الخفية في تونس وأياديها وغيرها. والوضع الليبي والجماعات المسلحة التي لم تسلم أسلحتها وبقايا النظام والصراع بين المعارضة واهتمامها بالجانب الحزبي والقبلي أهم من ليبيا وبناء الدولة. وإذا أردنا الاستنتاج مما ذكر آنفاً فإننا بصراحة نعاني من أزمة ثقة وأزمة قيادة وعدم وجود نموذج من القيادات وغياب العقلاء والتراكمات الفكرية والسلوكية، وأتمنى لو أن أحد هؤلاء يقرأ مقدمة ابن خلدون وإحياء علوم الدين للغزالي وأن يدرسوا الواقع فالأحلام والطموحات لا علاقة لها بالواقع وأن يتعلم هؤلاء من سيرة رسولنا وأصحابه في تقديم مصلحة الأمة والمرونة وأن يقرأوا التاريخ. الفتن نهايتها خطيرة والجميع يسير عكس العالم وعكس التاريخ، والانتصار للذات دون الوطن الذي يحتاج إلى تنازلات قد تكون مؤلمة لمصلحة البلاد ولابد من التنازل والحوار في غير الثوابت والمصلحة العليا والسيادة للبلاد وأن البلاد للجميع ويستحيل إنكار أي طرف مهما كان، ولأنه واقع يستحيل تجاوزه فهؤلاء بين خيارين إما سيادة ووحدة الأمة ومستقبلها وهذا يعني الحوار والمشاركة الجماعية وتدخل العقلاء، وإما العناد والصراع وهذا يعني الدمار وحروب استنزاف نحقق فيها أحلام أعداء الأمة مجاناً ونصبح في هامش التاريخ.. يخربون بيوتهم بأيديهم ويوفرون على أعدائهم تكاليف الغزو والسلاح.