22 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ سنة تقريبا، أي عمر الثورة، ولبنان يعيش على وقع الأحداث المتسارعة بالشوارع والساحات في سورية التي استوت مدنها وأريافها في سرّائها وضرّائها.. الحال عينه تعيشه الشوارع والساحات اللبنانية مع فارق السخونة، فصراخٌ بلا دم، وقنصٌ بلا رصاص، وتترسٌ خلف المتاريس الطائفية دون أسمنت. فلبنان المتنوع بطوائفه ومذاهبه وأفكاره، انقسم أهله عامودياً بين فسطاطين أمام الحدث السوري، حيث كان للبعد الطائفي الحظ الأوفر في الفرز بين المعسكرين، وللبعد الأقلوي حيثية لا يستهان بها وإن كان بدرجة أقل، واحدٌ دعم الحراك القائم في الشارع السوري وسماه حراكاً ثورياً نضالياً أمام آلة القتل العمياء التي لا تبقي ولا تذر، مهلكة الحرث والنسل، وآخر سار خلف النظام السوري حذو القذة بالقذة، فهلّل وكبّر لكل ما هو آت من سوريا- الأسد. أمّا الحكومة اللبنانية فدفنت وجهها في الرمال نائية بنفسها – كما تدعي - عن شعبها المنقسم على نفسه بين متهِم ومبارِك، وعن سوريا المنقسمة على ذاتها بين سوريا - الشعب وسوريا - الأسد. نحن إذن أمام منطقين، منطق يقف إلى جانب الشعب في نضاله للحصول على الحرية والكرامة، ومنطق يرى ما تشهده سوريا لا يعدو كونه نشاطا لعصابات مسلحة تتآمر مع الخارج لتقسيم سوريا واستهداف دورها المقاوم والممانع أملاً في رسم جديد للمنطقة بعد أن فشلت الولايات المتحدة الأمريكية خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو 2006 برسم الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندليزا رايس حين حطت طائرتها في بيروت التي كان مطارها في مرمى الطائرات الإسرائيلية. لم يعد هذا خفياً ولا غريباً، لكن اللافت اليوم أننا بدأنا نشهد في كل يوم تخرج به إلى الشارع تظاهرة مؤيدة للشعب السوري، نرى على الضفة الأخرى من الشارع أو الساحة جمع آخر خرج ليؤيد النظام السوري في قمع التمرد واستئصال العملاء! فهل يا ترى صدفة أن يتكرر الأمر في المكان والزمان عند كل مظاهرة تخرج؟ يوم الأربعاء الفائت خرج تجمع مناهض للنظام السوري في وسط بيروت ليعتصم في حديقة سمير قصير بالقرب من مبنى صحيفة النهار، قابله مظاهرة مؤيدة للنظام السوري في ذات التوقيت على الضفة الأخرى للحديقة. وعلى خلاف التظاهرات السابقة، التي يخرج في العادة لقيادتها أناسٌ عاديون أو من لا مكان لهم تحت قبة البرلمان أو على طاولة مجلس الوزراء، كانت تظاهرة الأربعاء متوجة بحضور لافت للزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي خرج برفقة وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور والنائب أكرم شهيب، وكلاهما من كتلة "النضال الوطني" التي يرأسها جنبلاط. لأول مرة يخرج جنبلاط معلناً ما كان يلمح له طويلاً دون أن يجرؤ على النطق به، لقد قسم جنبلاط يمين الطلاق على النظام وهو بكامل وعيه، فاسخاً، بعد تردد طويل، الزواج القسري بينه وبين سوريا - الأسد التي لجأ إليها عقب إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. هكذا يعيد الزعيم الدرزي الأبرز في جبل لبنان تموضعه السياسي ليصبح من جديد في خانة قوى 14 آذار التي ملأت رئتيها الضعيفتين بالأكسجين المندفع من حناجر الهاتفين ضد النظام السوري في المدن والقرى المنتفضة، يقابله اصطفاف وانسجام غير مسبوق لدى قوى 8 آذار في معركة يرونها مصيرية وما دونها فهو تفصيل لا يرقى إلى المناقشة أمام هول ما يتعرض له النظام السوري. هذه المفاصلة التي لا حدود محظورة لشظاياها إذا ما انفجرت دفعت برئيس «حزب التوحيد العربي» وئام وهاب المدعوم سوريا وإيرانياً لتحذير غريمه في الطائفة الدرزية وليد جنبلاط إذا ما استمر الأخير في قنصه صدر النظام السوري، مذكره إياه بمذبحة الجبل بين القيسيين واليمنيين التي انتهت إلى تهجير عدد من الدروز إلى سوريا مطلع الثامن عشر، فوحدة الطائفة، وربما وحدة لبنان، لا حرمة لها إذا لم يسكت جنبلاط لسانه عن سياسة الرئيس الأسد، إذ إن التاريخ قد يعيد نفسه، واللبيب من الإشارة يفهم.