18 سبتمبر 2025
تسجيلتختلف الأنظمة السياسية في الدول، منها ما هو برلماني حيث التعددية الحزبية والسلطة التنفيذية بيد الحكومة المنبثقة من البرلمان، وهناك النظام الرئاسي حيث الحكومة والصلاحيات كلها بيد رئيس الجمهورية، ومن الأنظمة ما هو خليط من النظام الرئاسي والنظام البرلماني.في النظام البرلماني تحتكم السلطات لقرار الأحزاب في البرلمان وتكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، أما في النظام الرئاسي فتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس الذي عينها.في حالة تركيا فإن النظام منذ إقرار التعددية الحزبية عام 1945 هو نظام برلماني تعددي تحتل فيه الحكومة مركز الثقل في القرار التنفيذي، وقد استمر هذا الوضع حتى العام 2007 عندما نشب خلاف بين العسكر والحكومة حول نية رئيسها رجب طيب أردوغان الترشح للانتخابات الرئاسية في البرلمان.نظام الوصاية العسكرية أو الديمقراطية العسكرية كان يتيح للعسكر التحكم بالمرشح الرئاسي عبر الضغوط على الأحزاب في البرلمان ما دامت هذه هي التي تنتخب الرئيس.ومع أن أردوغان رضخ لضغوط العسكر وتراجع عن نيته في الترشح ما أفسح المجال أمام انتخاب عبدالله غول وزير الخارجية رئيسا، فإن أردوغان أعد العدة حينها لتعديل دستوري وطرحه على استفتاء شعبي قضى بانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة وليس من البرلمان.ونجح أردوغان في نيل التأييد الشعبي لهذا التعديل وأصبح الرئيس المقبل ينتخب من الشعب لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد لكن أيضاً بانتخاب من الشعب.وعلى هذا أجريت أول انتخابات رئاسية من قبل الشعب مباشرة في العاشر من أغسطس الماضي وفاز فيها أردوغان بغالبية قاربت الـ52 في المائة. وفي 29 أغسطس الماضي انتقل أردوغان من رئاسة الحكومة إلى رئاسة الجمهورية.وهنا واجه النظام السياسي في تركيا واقعا جديدا وهو أن الرئيس ينتخب من الشعب لكنه بصلاحية محدودة، وهذا طرح معضلة أن الرئيس الذي ينتخب من الشعب ويفوّضه الشعب لابد أن يكون صاحب صلاحيات أكبر تماما كما ينتخب حزب رئيس الحكومة من الشعب فيكون مسؤولا عن القرار التنفيذي. وإلا فإن الرئيس بصلاحيات محدودة يمكن أن ينتخب من البرلمان ولا يكون له أهمية مفصلية.يوم الإثنين الماضي في 19 يناير ترأس أردوغان اجتماعا للحكومة التي يرأسها أحمد داود أوغلو، في القصر الجمهوري الجديد في أنقرة. ومع أنها ليست المرة الأولى التي يمارس فيها رئيس الجمهورية حقا دستوريا بترؤس اجتماعات للحكومة غير أن العادة ألا يترأس الحكومة سوى رئيسها فيما يترأس رئيس الجمهورية اجتماعات لها في الحالات الطارئة والضرورية جدا. فعبد الله غول مثلا وقبله أحمد نجدت سيزير لم يترأسا أبداً أي اجتماع للحكومة. قبل ذلك ترأس سليمان ديميريل وطورغوت وزال وغيرهما من الرؤساء السابقين بعض الاجتماعات الحكومية. اليوم عاد أردوغان لممارسة هذا التقليد الاستثنائي، مع فارق أن الرئيس هذه المرة منتخب من الشعب وبالتالي قد تكون طموحاته أكثر من مجرد ترؤس اجتماعات للحكومة أحيانا. وهناك إجماع على أن أردوغان يمضي لتعديل النظام إلى نظام رئاسي وينتظر الانتخابات النيابية المقبلة لكي يسعى لتعديل الدستور ولتنتقل الصلاحيات إلى رئيس الجمهورية، فهل يكون داود أوغلو آخر رئيس للحكومة في النظام التعددي البرلماني قبل أن يصبح من التاريخ لصالح نظام رئاسي؟