15 سبتمبر 2025
تسجيلزار رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان بروكسل والتقى قادة المفوضية الأوروبية.أردوغان زار بروكسل بعد انقطاع طويل ولكن انشغال تركيا بالصراع بين حكومة حزب العدالة والتنمية ورجل الدين الإسلامي فتح الله غولين وجماعته انعكس سلبا على صورة تركيا في الخارج في أثر التغييرات الواسعة التي أجراها أردوغان على مؤسسات القضاء والشرطة والدرك وتصفية كل الموالين لغولين فيها.وكان مشروع الحكومة الذي يقترح تغيير بنية المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين قمة التوتر بين أردوغان ومعارضيه لأنه كان يعني تحكم وزير العدل بالتعيينات ما يجعل السلطة القضائية تحت الوصاية المباشرة للسلطة السياسية وهو ما يتعارض مع المبدأ الأساسي في الديمقراطيات وهو الفصل بين السلطات. زيارة أردوغان إلى بروكسل كانت بهدف التوضيح للأوروبيين أنه ليس بوارد التخلي عن المكتسبات التي حققتها تركيا في مسارها الأوروبي وأنها ستجهد في العام 2014 لكي تحرز المزيد من الإصلاحات بما يتوافق مع المعايير الأوروبية، ودعا أردوغان المفوضية الأوروبية إلى تسهيل فتح المزيد من العناوين في المفاوضات بين الطرفين.رغم أن نتائج زيارة أردوغان لم تكن بمستوى تطلعاته حيث لا تزال الشكوك بسلامة المسار الديمقراطي في تركيا تحيط بالعلاقات التركية- الأوروبية، غير أن العلاقة بين الطرفين برأيي تتعدى مسألة صراعات داخلية في تركيا أو عقبات تضعها أوروبا في طريق تركيا لتعود إلى حكاية تتصل بالخيارات الحضارية قبل أي شيء آخر.ذلك أن تركيا ومنذ البدايات الأولى للتوجه الغربي لدى السلطنة العثمانية وصولا إلى حكم إسلاميي حزب العدالة والتنمية ومرورا بعلمانية أتاتورك وخلفائه كانت محكومة بعناصر تحول دون أن تكون جزءا من المسار الغربي في اتجاه الديمقراطية والعلمانية.لقد تصارعت في العهد العثماني ولاسيما منذ منتصف القرن التاسع عشرات التيارات التغريبية مع التيارات المحافظة.كانت الدولة تنهار وتخسر الأراضي ووهج الإمبراطورية إلى مزيد من الانحسار، وباتت الدولة فعلا رجل أوروبا المريض.وبطبيعة الحال فإن مسؤولي هذه الدولة العالمية لم يكونوا ليقفوا متفرجين على الانهيار والتراجع إذ ليس من قادة أي دولة أو قوة خصوصا إذا كانت ذات صفة عالمية أن يرضوا بانهيار دولتهم وتراجع قوتهم.. غير أن السؤال الأساسي هو عن كيفية الخروج من المأزق ومسار التراجع.في جوهر هذا السؤال كانت تكمن كل محاولات العالم الإسلامي في مواجهته لسؤال النهضة ولماذا تقدم الغرب وتراجع العالم الإسلامي. إذ إنه من الواضح أن هذا العالم ليس له وزن على الساحة الدولية منذ بداية ضعف الدولة العثمانية وتفككها مع الغزوة الفرنسية ومن ثم خسارة الدولة لأراضيها بدءا من البلقان.وكان هدف كل محاولات الإصلاح لدى الأتراك العثمانيين ولدى دول أو قوى أخرى في العالم الإسلامي هي كيفية التقدم على النمط الغربي من دون المس بالهوية الإسلامية وركائزها.وهنا تظهر المعضلة الأساسية في العالم الإسلامي، ولقد كانت التجربة التركية مرآة صادقة لهذه الاستحالة في التوفيق بين التقدم الغربي والإبقاء على المكونات الأساسية للهوية الإسلامية، والمسألة هنا لا تتعلق بالمظاهر من طريقة اللباس أو أنماط المأكل وما شابه ذلك، إن المسار الحضاري في أوروبا منذ عصر النهضة انتهى إلى ركيزتين أساسيتين هما العلمانية التي اقتضت حروبا دامية بين الدولة والكنيسة والديمقراطية التي اقتضت كذلك المرور بحروب مماثلة ولم تجد مستقرا لها إلا بعد الحرب العالمية الثانية وانخراط ألمانيا في هذا المسار، وإذا كانت الديمقراطية أحد الأسرار المعلنة للتقدم الغربي غير أن العلمانية هي الركن الآخر لذلك وهو المعضلة الأساسية التي واجهتها بالتجربة الملموسة تركيا، وكان أتاتورك نموذجها حيث مارس علمانية متشددة من جهة لكنه لم يستطع أن يتجاوز الأبعاد الراسخة للهوية الإسلامية في المجتمع حتى إذا تغير النظام في تركيا من حزب متشدد إلى حزب آخر معتدل في العام 1950 ظهرت تركيا كما لو أنها لم تعرف أي علمانية.واستمر ذلك حتى اليوم رغم تعاقب حكومات مختلفة بين علمانية أو إسلامية أو مختلطة، وبعد أعلى المراحل في التقارب التركي مع أوروبا عامي 2003 و 2004 وفي عهد أردوغان بالذات إذا بالتباعد والشكوك تبلغ أيضا ذروتها بين الطرفين في عهد أردوغان أيضا خصوصا في الأشهر الأخيرة.تدل التجربة التركية كما بعض التجارب في العالم الإسلامي على أن المجتمعات الإسلامية لها خصوصيات لا يمكن لها أن تلتقي مع المسار الحضاري الغربي وبالتالي يتوجب على قادة ومفكري العالم الإسلامي أن ينكبوا مرة أخرى على إعادة تقييم التجارب الإسلامية في التحديث وعدم السير وراء مسار حضاري غربي قد لا يكون صالحا للمجتمعات الإسلامية أو أن يكونوا أكثر جرأة في اتجاهات أخرى ليست سهلة على الإطلاق.