18 سبتمبر 2025
تسجيلنحو (70) عاماً مضت على تأسيس الجامعة العربية؛ لكنها لا ظهراً أبقت ولا أرضاً قطعت في قضاياها الأساسية، فلم تسترد فلسطين بحدود (48)، ولا بحدود (67)، ولا حتى تستطيع اليوم إقناع المغتصب بالجلوس إلى طاولة المفاوضات على أساس أجندة واضحة تتضمن الحد الأدنى من الحقوق السليبة.. آخر سلسلة التنازلات والتراجعات ما طرحه ياسر عبدربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في مقابلة أجرتها معه صحيفة الحياة اللندنية: (اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية، وإقامة عاصمة لفلسطين في جزء من القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين وفق رؤية الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون، وبقاء الكتل الاستيطانية تحت سيطرة إسرائيل، واستئجار المستوطنات الباقية، وسيطرة إسرائيل على المعابر والأجواء، ووجود قوات رباعية أمريكية - إسرائيلية - أردنية - فلسطينية على الحدود، وحقها في المطاردة الساخنة في الدولة الفلسطينية). المفارقة الأخرى أن الجامعة العربية تضم أكبر دولة زراعية تلقب بـ(سلة غذاء العالم العربي)؛ وتضم في الوقت نفسه أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم! السودان يضم مليون فدان من الأراضي الزراعية الصالحة وأطول أنهار العالم وأكثرها عذوبة وأكثر من (100) مليون رأس من الماشية المتنوعة، ومع ذلك ظل الفقر والجوع والتدهور الاقتصادي سمة ملازمة لهذا البلد العربي. في الوقت نفسه تستورد مصر ما يقارب من 80% - 90% من القمح، أي ما يقارب عشرة ملايين طن سنويا من الأسواق الدولية لإنتاج الخبز المدعوم الذي يعتمد عليه ملايين المصريين.لقد ظلت جهود الجامعة العربية بشأن التكامل الاقتصادي لا تنفك من دائرة الترويج الدعائي ومنتديات العلاقات العامة.. الأسبوع الماضي اختتمت في الخرطوم الاجتماع الاستثنائي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، وأكد الأمين العام للجامعة نبيل العربي، توافر إرادة عربية قوية لتنفيذ مبادرة الرئيس السوداني عمر البشير لتحقيق الأمن الاقتصادي والغذائي العربي. وذهب العربي بعيداً عندما بشرنا بأن شعار "السودان سلة غذاء العالم العربي"، لم يعد حلماً، بل أصبح حقيقة قابلة للتنفيذ. الاجتماع دعا مؤسسات التمويل العربية والشركات العربية المشتركة في مجال اختصاصها إلى تخصيص نسبة من الزيادات في رؤوس أموالها تنفيذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج على ألا تقل عن 20%، وذلك لدعم مبادرة الرئيس البشير للاستثمار الزراعي العربي في السودان للإسهام في سد الفجوة الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي العربي.هل اجتماعات ودعوات المجلس الاقتصادي العربي هي الأولى من نوعها أم أنها الأخيرة؟، حتما ليست الأولى منذ قيام الجامعة العربية ولن تكون الأخيرة، سنسمع كثيراً من (الجعجعة) دون أن نرى طحيناً. لا الجامعة كمنظمة إقليمية أظهرت إرادة قوية ولا الدول الأعضاء كأفراد أظهرت تلك الإرادة والنتيجة فشل جمعي وهو حاصل جمع الفشل الفردي. ما لم تعود الأموال العربية التي أصابت بنوك أمريكا وأوروبا بالتخمة إلى أوطانها لن يفلح العرب ليس في تحقيق الوفرة الاقتصادية ولكن حتى في رتق الفجوة وسد رمق جموع ملايين الفقراء في الوطن العربي المأزوم بالاستسلام للإستراتيجيات الغربية المعادية والداعمة لإسرائيل الدولة الغاصبة. العالم يدرك اليوم أن القوة الحقيقية لا تكمن في الترسانات العسكرية فحسب وإنما بشكل أساسي في امتلاك القوت والتحكم فيه؛ فالولايات المتحدة التي يمثل سكانها فقط (7%) من سكان العالم تتحكم في (50%) من غذاء العالم، وإسرائيل التي يبلغ عدد سكانها نحو (6) ملايين تصدر غذاء بقيمة (60) مليار دولار سنويا، بينما إندونيسيا التي يبلغ عدد سكانها نحو (200) مليون تصدر غذاء بقيمة (70) مليارا. في السودان كثيرا ما سمعنا جعجعة ولم نر طحينا.. عشرات اليافطات التي اشرأبت معلنة عن برامج تهتم بعلاج الفقر لكن مازالت الظاهرة مستمرة تقف شاخصة تمد لسانها متحدية.. حتى المؤسسات الاقتصادية التي تقدمت لخوض المعركة مع الفقر على أسس اقتصادية تكاد تتلاشى وسط بحر من الإخفاق.. سمعنا ببنك العمال وبنك المزارع وبنك الادخار وبنك الثروة الحيوانية وبنك التنمية الصناعية وبنك الأسرة وهلّم جرّا.. أشهر الدول التي حققت نجاحات باهرة في معالجة الفقر هي ماليزيا إحدى النمور الآسيوية السبع.. فقد استطاعت ماليزيا خلال ثلاثة عقود (1970-2000م) تخفيض معدل الفقر من حوالي 52% إلى 6% حيث تناقص عدد الأسر الفقيرة بنهاية عقد التسعينيات إلى أكثر من ثلاثة أضعاف عما كان عليه الحال في عقد السبعينيات. وبحلول العام 2005 تم القضاء على الفقر المدقع (المطلق) قضاءً مبرماً. يقول الخبراء إن فلسفة مكافحة الفقر في ماليزيا قامت على فكرة أن "النمو الاقتصادي يقود إلى المساواة في الدخل"، وعليه مثل النجاح في مكافحة الفقر أساسا قويا لتدعيم الوحدة الوطنية بين الأعراق المختلفة المكونة للشعب الماليزي.