27 أكتوبر 2025
تسجيلطفلة في السادسة من عمرها سقطت في بئر ارتوازية يبلغ عمقها 114 متراً في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية، ومازالت تحت الأنقاض بالرغم من جهود رجال الدفاع المدني في المملكة وبعض متطوعي الإنقاذ والمخترعين الذين أسهموا باختراعاتهم لإخراج الطفلة!هذه القضية الإنسانية المأساوية التي باتت حديث الناس في مواقع التواصل الاجتماعي، وشغلت الرأي العام في السعودية، ولاقت تفاعلاً وتعاطفاً كبيراً ليس فقط في المملكة بل في دول الخليج أيضاً.. لقد تابعتُ هذه القصة منذ بدايتها وقرأت آخر الأخبار، وشاهدت بعض الحلقات التي ناقشت قصة الطفلة لمى الروقي في التلفاز؛ منها برنامج الثامنة، وبرنامج تحته خط في قناة المجد، الذي استضاف المتطوع الأول الشمري والمخترع الشلهوب، بالإضافة الى المداخلات الهاتفية للوالد المكلوم وأمنيته في أن يتم انتشال جثة ابنته كاملة، بعدما فقد الأمل في الحصول عليها حية تُرزق.. ولعل من أكثر ما يؤلمني حقاً في قضية هذه الطفلة هي الإشاعات التي تُكتب وتُروج ضد عائلتها التي تسبح في بحر من الأحزان، والهجوم الذي تتلقاه العائلة من البعض الذين تجردوا من معاني الإنسانية فالبعض يتهم الأب بخطفها، والبعض الآخر يُفتي بوجودها في مزرعة، وأنها ليست موجودة في البئر من الأساس!وما يثير استغرابي تغريدات البعض في التويتر حيث إن إحداهن كتبت بلا أدنى شفقة (لماذا كل هذه "الدراما" بنت وسقطت في البئر!!)، لم أستطع أن أتمالك نفسي وأنا أقرأ هذه الحروف القاسية الخالية من الرحمة، فناقشتها وبينت لها أن هذه قضية إنسانية بحتة، وبمجرد تخيلنا وجود طفلة في قاع البئر أمر ليس بالهين البتة! فكيف الأمر بوالديها وأهلها! فردت عليّ قائلة: "إن غيرها الكثير من الأطفال الذين يموتون ولم يكن هناك أي ضجة إعلامية بعد موتهم"، فأدركتُ وقتها أن الحوار معها عقيم، ووضحتُ لها أنها تستطيع ألا تتابع الأحداث إن كانت تشعر أن ردود الأفعال تزعجها وفيها شيء من المبالغة!! أستغرب من هؤلاء حقاً! كيف يمكن أن نقارن قصة لمى بقصة أخرى، لا أنكر أن الموت مؤلم، ولكن هناك موت يؤلم أكثر من الآخر، وهناك فجيعة أقسى من الأخرى، سقوط طفلة في بئر بهذا العمق وأمل عائلتها أن تُنتشل حية وعذاب الانتظار، وإحساس الوالدين وتفكيرهم بالألم الذي شعرت به صغيرتهم، والخوف الذي واجهته، والعذاب الذي عاشته إن لم تمت مباشرة، وبعدها انتشال أشلاء من جثة الطفلة على دفعات، والأمل في حصولهم على ابنتهم حية تحول الى أمل لإيجاد جثتها كاملة، وليست أشلاء، كل هذه المأساة ليست بالهينة ألبتة.لذلك فإن كل هذه الأيام العصيبة التي عاشتها العائلة ومازالت وانتظارهم العصيب من أكثر من شهر يجعل من الألم أقسى والعذاب أكبر، ويزيد من حجم الفاجعة، بالإضافة إلى ألسنة الناس التي لا ترحم والإشاعات التي تُحاك ضدهم يحول هذه القصة إلى مأساة حقيقية، بكل المقاييس الإنسانية، لذلك كل هذا العذاب لا يقارن أبداً بعذاب عائلة فقدت ابنتها وودعتها ودفنتها دون هم الانتظار العصيب وهذا العذاب العجيب.والأدهى والأمر أن البعض يكتب في هاشتاج لمى الروقي تغريدات ساخرة بلسان لمى، وكأنها تستنجد بالناس ليخرجوها بسبب ضرب الجن لها! وإحداهن كتبت بدم بارد ونفس خالية من الانسانية؛ أنها تستحق ما حصل لها وتدعو بأن لا يتم ايجادها لأنها تنتمي إلى العائلة الفلانية!أي استصغار لمشاعر عائلة الروقي المكلومة التي تتمنى أن تكرم ابنتها بدفن أشلائها ولكنها عاجزة!! وأي قلوب هذه التي خلت من الإنسانية، لو كانت ابنتهم مكان هذه الطفلة المسكينة، هل سنجدهم يكتبون مجرد طفلة وماتت، فلماذا هذه الضجة؟!! هل سيكونون بهذه القسوة؟ليتنا دوماً نضع أنفسنا مكان أهل الابتلاء، لنشعر بحجم معاناتهم، لذلك وجب علينا أن ننتقي حروفنا، ونكتب خيراً أو لنصمت!لمى الروقي التي أحبها الناس دون أن يروها، وأحببتها شخصياً وشغلت تفكيري، أتمنى من الله العلي القدير أن يفرج عن أهلها، وينزل عليهم صبراً من عنده، ويعوضهم خيراً، ويرزقهم أكثر مما يتمنون، ومن حيث لا يحتسبون.في النهاية أقول، يا لمى لقد ضمّ هذا البئر جسدكِ الصغير، وستظل قلوبنا تضم اسمك، ولن ننساكِ يا صغيرتي، قلوبنا مع أهلك الصابرين، بالرغم من كلام بعض القساة أصحاب القلوب المتحجرة، وثقي أن مكانكِ في الجنة أجمل.