19 سبتمبر 2025
تسجيلتنفس حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان الصُعداء بعد مرور سحابة العصيان المدني يوم الاثنين الماضي 19 ديسمبر الحالي..رعد وبرق وسماء داكنة ملبدة بالغيوم، أجواء سيطرت على الفضاء السياسي في الخرطوم لكن من حسن طالع الحكومة تحول الأمر لسحابة صيف..لكن وما أن توارت السحابة حتى عادت (ريمة لعادتها القديمة)..ذات النهج الذي تسبب في سوء الأحوال الجوية. ولعل الحالة الاقتصادية كانت سبب تصاعد الغضب الشعبي الأمر الذي دعا الحكومة لرفع الدعم عن السلع الرئيسية وتعويم الجنيه السوداني ليصل سعره مقابل الدولار أرقاما فلكية، وهو ما سمته بالإجراءات الاقتصادية..والحكومة تنهى عن خلق وتأتي مثله، فهي أكبر مستهلك للدخل القومي، فالجهاز الحكومي المترهل (أكثر من 70 وزيرا ووزير دولة) يستحوذ على نسبة مقدرة من ميزانية الدولة العامة.الأسبوع الماضي توقعت وزارة المالية أن يبلغ عجز موازنتها للعام المقبل، 18.9 مليار جنيه (2.8 مليار دولار) بنسبة 2.1 % من الناتج المحلي الإجمالي. وقدمت الوزارة موازنة 2017، للبرلمان على أن يتم التصويت عليها نهاية هذا الأسبوع، بعد مداولات أعضاء البرلمان.في ذات الوقت يؤكد رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم أن التشكيلة الحكومية القادمة ستكون أوسع وليس كما تفاءل البعض وظنها ستخرج رشيقة.. يقول الرجل أن الوزارات الحالية (31 وزارة)، وستصبح (33) وزارة اتحادية.. وسيضاف (85) عضوًا للهيئة التشريعية (البرلمان)، و(7) لكل مجلس تشريعي ولائي عدا ولايتي الخرطوم والجزيرة حيث يضاف 14 عضوًا لكل منهما..كل ذلك سوى ترضيات سياسية للأحزاب التي شاركت فيما سمته الحكومة بمؤتمر الحوار الوطني وليس على المواطن إلا أن يتحمل مخصصات ورواتب هذا الجيش الجرار من المسؤولين وأغلب الظن أن مؤهلاتهم ليست خبرات فائقة أو شهادات عالية للدفع بعجلة التنمية المعطوبة.من ناحية أخرى وفي سابقة جديدة أسقط برلمان ولاية الجزيرة وهي الولاية الأقرب للخرطوم والأعلى كثافة سكانية، خطاب والي الولاية رغم أنه أكثر المسؤولين حظوة بدعم الرئيس عمر البشير.. ولو أنه كان واليا منتخبا كما في السابق أي قبل التعديلات الدستورية الأخيرة التي ركزت السلطات في يد الرئيس لتحتم على والي الجزيرة الاستقالة.. ولأن برلمان الولاية غالبية أعضائه من الحزب الحاكم فإن البعض ذهب إلى أن الأمر ليس إلا صراعات بين أعضاء الحزب الواحد أي بين الوالي وبين غالبية أعضاء البرلمان.وفشلت الدولة وولاتها المتعاقبون في إعادة الحياة لمشروع الجزيرة الزراعي الذي تضمه تلك الولاية وأنشئ هذا المشروع في عام 1925 لمدّ المصانع البريطانية بحاجتها من خام القطن والذي شكل أيضًا العمود الفقري لاقتصاد السودان بعد الاستقلال وحتى ظهور البترول. ويعتبر أكبر مشروع للري في إفريقيا وأكبر مزرعة في العالم تحت إدارة واحدة.من الواضح أن الانتعاش الاقتصادي الذي ظهر بعد العام 2004 لم يكن بسبب إنزال شعارات النظام مقل (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) على أرض الواقع لكنه كان بسبب تدفق عوائد النفط، ومع ذهاب ربيع البترول بانفصال الجنوب في يوليو 2011 الذي استحوذ على أكثر من (70%) منه، بدأت الخرطوم تتبنى "روشتة" البنك الدولي النمطية باعتبارها بلسما وترياقا للأزمة الاقتصادية التي صنعها سوء التخطيط وقصر النظر والعجز عن إدارة عوائد النفط فضلا عن البذخ السياسي سعيا وراء مكاسب سياسية قبلية وجهوية. والحقيقة أن تلك "الروشتة" غير معنية بالطبقات الكادحة المسحوقة التي أرادت الحكومة تحميلها أخطائها السياسية والاقتصادية.ثم من بعد ذلك النظر في الإشكالات الاقتصادية على أن ترتكز على زيادة الإنتاج والإنتاجية وترشيد الإنفاق الحكومي، ومحاربة الفساد وإعادة هيكلة الجهاز المصرفي ووقف تعدد الرسوم والضرائب الأمر الذي أدى إلى فقدان ثقة المستثمر الأجنبي في الاقتصاد السوداني.