14 سبتمبر 2025

تسجيل

الشيخ جاسم بن ثاني الذي فقدناه ورحلة مع عبق التاريخ والأدب والأنساب (1)

24 ديسمبر 2014

يعد الشيخ جاسم بن ثاني بن جاسم بن محمد بن ثاني آل ثاني أحد أعمدة التأريخ السياسي والاجتماعي والثقافي خلال القرنين الميلاديين الماضيين، لكونه قد عاصر تلك الأحداث كما عاصر أغلب الرواة والإخباريين والمهتمين بالتاريخ وعلم الأنساب والأحداث السياسية التي مر بها المجتمع القطري خلال فترة مضت.ومن منا لا يستطيع أن ينكر ما للشيخ جاسم من مكانة في نفوس أهل قطر الذين يعرفونه ويعرفون ذاكرته القوية في حفظ وترديد تلك الأحداث إبان حكم الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني — طيب الله ثراه — كيف لا وهو المؤسس لشبه جزيرة قطر وباني مجدها وموحد قبائلها ضد الغزاة المعتدين حتى وفاته عام 1913 م.يعد الفقيد الشيخ جاسم بن ثاني بن جاسم آل ثاني (1917 — 2014) أحد أبرز المؤرخين والاخباريين في قطر والجزيرة العربية، كما يعد علامة في علم الانساب والقبائل القطرية ومرجعا للشعر النبطي والفصيح على وجه الخصوص، وهو في نفس الوقت يعتبر حتى وفاته "عميد الأسرة الحاكمة في قطر" وأحد أحفاد المؤسس لكونه الأكبر سنا.سيرة ذاتية حافلةولد الشيخ جاسم بن ثاني آل ثاني في (رميلة الوكرة) عام 1335 هـ / 1917 م، وقد عاصر حرب الزبارة 1356 هـ / 1937 م وكان عمره في ذلك الوقت حوالي 20 سنة، وهو حفيد المؤسس الشيخ جاسم بن محمد الذي ذاع صيته في جميع الآفاق، فكان شيخ الأمراء سنا وجاها، جده لأبيه، وجده لأمه هو الشيخ أحمد بن محمد بن ثاني آل ثاني أسد الأسود في شجاعته، فهو حفيد الشقيقين (جاسم المتوفى عام 1913 وأحمد المتوفى عام 1905). وقد تعلم القراءة والكتابة على يد أحد علماء نجد حيث درس الفقه والتوحيد وهو في سن التاسعة من عمره، ثم انتقل للسكن في مدينة الدوحة، كما تعلم من والده الكثير حيث كان مجلسه مجلس علم يجلس فيه الادباء والشعراء والفقهاء في ذلك الوقت، وقد عاصر الشيخ جاسم بن ثاني نهضة قطر وتطورها خلال القرن الماضي، فشهد جل فترة حكم شيوخ قطر بدءا من فترة حكم عمه الشيخ عبدالله بن جاسم بن محمد آل ثاني، وفترة حكم ابن عمه الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، وفترة حكم الشيخ أحمد بن علي بن عبدالله آل ثاني وجمعتهما ذكريات طفولة، وكذلك فترة حكم الشيخ خليفة بن حمد بن عبدالله آل ثاني ثم عهد سمو الامير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. كما كان يتمتع بمكانة مرموقة بين أهله وعشيرته، فضلاً عن مكانته القيمة بين الباحثين والدارسين؛ الذين يأتون إليه من كل حدب وصوب؛ ليأخذوا عنه العلم في النسب والتاريخ، لذا فإن مجلسه لا يخلو من طالبي العلم الذين يعاودونه بانتظام، والشيخ لا يبخل عليهم من علمه، ويجد في مجالستهم.مسيرته مع الأدب والتاريخالتقيت بالشيخ جاسم بن ثاني لأول مرة حوالي سنة 1996م وكانت زيارتي له برفقة والدي — أطال الله في عمره — كما تكررت لي زياراته في مرات عدة وخاصة في الاعياد والمناسبات الاجتماعية والوطنية.حيث التقيت به مرارا فوجدته يتصف بعدة صفات منها على سبيل المثال لا الحصر:إنه يؤرخ لتاريخ قطر السياسي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين — ويؤرخ للمواقع الحربية التي وقعت على أرض قطر قبل مئات السنين بخاصة في عهد المؤسس الشيخ جاسم بن ثاني وكذلك بعهد الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني — ويؤرخ للأعلام وأصحاب السير من رجالات قطر الأوائل والرواد في شتى المجالات ومنهم الشعراء والادباء وعلماء قطر بشكل عام — ويؤرخ لحكام قطر جميعا دون استثناء من ناحية سيرهم الذاتية وافعالهم وانجازاتهم وما خلدوه من ارث لهذا الوطن — ويلم كذلك إلماما كاملا بعلم الأنساب في جزيرة العرب ومعرفة قبائلها واصولها وجذورها التاريخية — ويعرف أنساب جميع قبائل قطر دون استثناء ويذكرها دون تحيز او تمييز كما يشيد بمن خدم قطر وقت الشدائد والمحن — ويذكر التواريخ والسنوات لكل الأحداث التي وقعت في قطر والجزيرة العربية وبخاصة الاحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية — ويتحدث بلغة عربية فصيحة لا يجيدها الكثير من أبناء جيله كما يحفظ اغلب الاشعار العربية القديمة ومنها اشعار المعلقات وشعر المتنبي وكبار شعراء الدولتين الاموية والعباسية بجانب الشعر الجاهلي الذي يحفظ اغلبه وبخاصة شعر الحكمة والنصائح والدفاع عن القبيلة وخصال العرب القديمة مثل الكرم والشجاعة والمروءة وغيرها — كما أنه محبوبا من أبناء الأسرة الحاكمة ومنهم سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وكذلك سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي يتردد عليه مرارا في مجلسه الخاص والكائن في منطقة "ازغوى" أو كما تعرف باسم "ازغوى جاسم بن ثاني"، والتي تقع بقرب منطقة "الغرافة" إحدى ضواحي مدينة الدوحة العاصمة.معاصرته للأحداث الاجتماعية والسياسيةيعد المؤرخ والأديب الشيخ جاسم بن ثاني من القطريين الاوائل الذين برعوا في مجال الحفظ الشفاهي للتاريخ الاجتماعي لقطر واقطار الجزيرة العربية، كما انه يعد مرجعا لانساب القبائل العربية، حيث كان يقصده المئات من سكان قطر والجزيرة العربية بحثا عن اصولهم وجذورهم التي ينتمون إليها، وكان — رحمه الله — منصفا في سرد المعلومات ولم يكن متحيزا لطرف على حساب طرف آخر. كما انه عاصر الكثير من الوجهاء وكبار الاعيان الذين عاشوا في قطر، وكان يجالسهم ويأخذ منهم الحوادث التاريخية والوقائع الحربية التي وقعت على ارض قطر وبخاصة خلال القرنين الماضيين، فكان مهتما بتدوين ما يسمعه في ذاكراته، فهو من مصادر قطر التاريخية للقرنين الماضيين. وقد أخبرني مرارا بأن والده كان صاحب الفضل في تأهيله وتعليمه وتوجيهه نحو حب التاريخ والتراث والتعلق بالدين وعلم الانساب، وقد عرف عن والده "الشيخ ثاني بن جاسم" أحد أبناء المؤسس أنه كان من كبار تجار اللؤلؤ المعدودين، وقد عمل في الطواشة وتجارة اللؤلؤ لعدة عقود من الزمن، كما كان يمتلك بعض السفن لممارسة هذه المهنة ابان مجتمع الغوص على اللؤلؤ وقبل اكتشاف النفط في قطر.قوة الذاكرة وحفظه للأشعار والأحداثعرف عن المؤرخ والأديب الشيخ جاسم انه راوية في علم الانساب وكان ملما بمعرفة انساب القبائل القطرية التي عاشت على ارض قطر، كما كان — رحمه الله — يفرق بين قبائلها الاصيلة التي استوطنت قطر منذ مئات السنين وبين من سكنها في الاوقات اللاحقة، كما كان يفتخر دوما باسم "اولاد نفيع" وهي تسمية تجمع قبائل قطر وقت المحن والشدة. وقد كان يتمتع بذاكرة قوية في حفظ التاريخ والاحداث التي وقعت في قطر خلال القرنين الماضيين لكونه من المعمرين الذين عاصروا تلك الاحداث او حفظها وسمعها. وأتذكر ان "قناة الدوحة" التلفزيونية التي انطلقت لاول مرة سنة 2008 م مع الاحتفال باليوم الوطني قد قامت بتسجيل عدة مقابلات تلفزيونية معه، فكانت بمثابة السجل الحافل لتاريخ قطر، وحياة المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني وتوثيق حياته السياسية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.مجلس العلم والأدبعرف عن الاديب الراحل انه يجلس في مجلسه العامر مساء كل يوم، وكان يرتاده اهل العلم والادب والشعر من المهتمين بهذه المجالات والعلوم، كما يأتيه كبار الاعيان والوجهاء من داخل وخارج قطر. وكان الفقيد يعتبر من المصادر الثقاة في التأريخ وعلم الأنساب والقبائل، بجانب تمتعه بذاكرة الحفظ للاشعار ومناقب الادباء والشعراء منذ عصور الحضارة العربية القديمة وحتى العصر الحديث. هذا بجانب إلمامه بالعلوم الشرعية كالفقه والتفسير وعلوم الحديث والأشعارالدينية وبخاصة الزهديات والحكم والنصائح منها. كما عرف عنه تمتعه بمعرفة المواقع الجغرافية والأثرية في شبه جزيرة قطر وسبب تسمياتها واسماء القبائل القطرية التي سكنتها واستوطنتها منذ مئات السنين وحتى الآن.وبعدالفقيد يستحق لمسة وفاء من الجهات المسؤولة في الدولة بإطلاق اسم "جاسم بن ثاني آل ثاني" على أحد الشوارع الرئيسية في منطقة "الغرافة" بمدينة الدوحة تخليدا لذكراه ومكانته المرموقة بين اهل قطر وابناء الجزيرة العربية.. رحم الله الأديب والمؤرخ الراحل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.كلمة أخيرةاللـهـم ارحمنا اذا اشتدت الكربات وتوالت الحسرات واطبقت الروعات وفاضت العبرات وتكشفت العورات وتعطلت القوى والقدرات.. اللهم آمين.