17 سبتمبر 2025

تسجيل

سلفاكير في إسرائيل.. تحصيل حاصل

24 ديسمبر 2012

ضجة كبيرة وجدل مرير أثارته زيارة سلفاكير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان إلى إسرائيل، وكأن في الأمر جديدا أو مستحدثا.. هذه الزيارة التي تمت في نهاية الأسبوع الماضي، ليست إلا تحصيل حاصل، فقد رعت إسرائيل التمرد في الجنوب من البداية، فقد تدرب كل القادة العسكريين الجنوبيين في إسرائيل كما أن الخبراء الإسرائيليين منتشرون في مختلف المرافق والأجهزة الحكومية بدولة الجنوب الوليدة، والشركات الإسرائيلية تهيمن بالكامل على صناعة الفنادق وبعض المشروعات الإنشائية الأخرى.. ما يميز هذه الزيارة أنها أول زيارة رسمية ومعلنة إلى إسرائيل.. سلفاكير قال بحضور الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز: (لقد وقفتم إلى جانبنا طوال الوقت، ولولا الدعم الذي قدمتموه لنا لما قامت لنا قائمة)!!. كلام سلفاكير كان تعليقا على قول بيريز إن علاقة بلاده بقادة انفصال الجنوب بدأت أثناء حكومة ليفي اشكول في منتصف ستينيات القرن الماضي عندما كان بيريز نائبا لوزير الدفاع.. سبقت زيارة سلفاكير وعقب إعلان الانفصال مباشرة زيارة قام بها وفد إسرائيلي برئاسة نائب رئيس الكنيست داني دانون إلى جوبا.. لقد كان سلفاكير منشرحا على غير العادة، فهو رجل يحب الميل إلى العزلة والغموض، ولا يمكن لأي شخص مهما أوتي من فراسة أن يخرج بأي انطباع في حالة تعمّد قراءة تقاسيم وجهه الجامدة والصارمة فهو بخيل بإبداء أي مشاعر لمحدثه فلا يمكن أن تعرف ما إذا كان سعيدا أو غاضبا، يوافقك القول أو يعارضك. التغلغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية سياسة تهدف إلى إحداث فجوة في العلاقات العربية - الإفريقية، وذلك من خلال استغلال بعض الدول الإفريقية التي لها حدود مع أخرى عربية.. قبل عدة سنوات أعلن متحف ما يسمى بمحرقة ضحايا النازية (الهولوكوست) في نيويورك تضامنه مع الجنوبيين المسيحيين، وكون لجنة تعرف بـ(لجنة الضمير)، ترأسها اليهودي "جيري فاولر" لهذا الغرض، وأقامت اللجنة معرضاً ملحقاً بالمتحف يصور "مآسي حرب الجنوب".. في كتاب وثائقي صدر عام 2002 عن مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة تل أبيب للعميد في المخابرات الإسرائيلية (موشي فرجي) بعنوان "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان"، يوضح الكاتب أن (بن جوريون) أسس الانطلاقة لفرضية رئيسية أقام عليها الإسرائيليون تعاونهم ودعمهم غير المحدود للأقليات العرقية والدينية في الوطن العربي، وأصدر ابن جوريون أوامره إلى أجهزة الأمن للاتصال بزعامات الأقليات في العراق والسودان وإقامة علاقات مختلفة معها!!. العميد فرجي يؤكد أيضا أن دور إسرائيل بعد انفصال الجنوب وتحويل جيشه إلى جيش نظامي سيكون رئيسيا وكبيرا، ويكاد يكون تكوينه وتدريبه وإعداده صناعة كاملة من قبل الإسرائيليين!! هناك من يفسر مواقف سفاكير ميارديت رئيس الحركة الشعبية من دعمه للانفصال، بأنه (طموح) شخصي، لكن الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل كانت تقول للرجل أيضا: (ستكون شانانا غوسماو الذي تسبب بدعم أمريكي صريح في فصل تيمور الشرقية عن جسدها الجغرافي والسياسي والحضاري وهو إندونيسيا في مايو من العام 2002م.. دون عناء وتفكير نجد أن نموذج تيمور قد ألقى ضوءا كاشفا على الخطة الأمريكية الإسرائيلية المعتمدة كسياسة كونية تستهدف تفتيت الدول الأخرى.. الأهمية الإستراتيجية لتيمور الشرقية كـ(شوكة حوت) لإندونيسيا أكبر الدول الإسلامية سكانا، فسّر الجهود الغربية الكثيفة لفصلها عن إندونيسيا وجعلها دولة تحت السيطرة الغربية الكاملة.. سلفاكير ودولته الوليدة كذلك (شوكة حوت) تخنق العالم العربي. شكلت الزيارة التي قام بها سلفاكير رئيس جنوب السودان إلى تل أبيب حدثاً مهماً فقد جاءت في توقيت استباقي لزيارة منتظرة لرئيس وزراء إسرائيل للجمهورية، وكل ذلك يكشف سر العلاقة الطويلة التي كانت مغلفة بالأسرار حول إستراتيجية إسرائيل التي عملت لفصل جنوب السودان. قلنا إن الزيارة تحصيل حاصل نعم بيد أنها مثلت نقلة جديدة تعكس بوضوح حالة التوافق المتقدم بين دولة الجنوب وإسرائيل في وقت ظلت إسرائيل عدواً للسودان الكبير ما يجعل الحديث الذي كان يدور في أروقة مراكز صنع القرار ودوائر رصد العمل المضاد في تلك الدولة الذي ظل يربط الجهوية التي وقفت أمام تماسك الدولة السودانية وأوقعها في دائرة الصراع.