29 سبتمبر 2025

تسجيل

حقيقة الموقف الروسي والأمريكي من سورية... بين الطبع والتطبع!

24 ديسمبر 2012

هل بات الموقف الروسي في مقام التحول اليوم عما كان عليه الأمس إزاء المشهد السوري أم أن المناورة أخذت تختمر أكثر لتجد روسيا مخرجا مناسبا لمواقفها السابقة مبررا لما قد يجد من تطورات بعد لقاء وزير خارجيتها سيرجي لافروف مع هيلاري كلينتون في دبلن مؤخرا ولقناعة روسيا أن الفيلم السوري في حلبة الصراع أوشك على النهاية بعد تحقيق الجيش الحر انتصارات حقيقية نوعية على الأرض خصوصا في العاصمة دمشق بل حول القصر الجمهوري والمطار الدولي، وكذلك ما يجري في حلب وحماة من مكاسب وتحرير حقيقي لبلدات وكتائب وأفواج ومطارات لم يستطع الجيش الأسدي أن يستردها مكتفيا ببعض القصف الخائب عليها حقدا وغيظا، وقد عزز هذا الأمر تصريحات الرئيس الروسي بوتن في رسالته السنوية أمام المشرعين الروس من أن بلاده تشهد مرحلة انعطاف خطيرة داخل الفلك الدولي الجديد الذي كثرت فيه المتغيرات والهزات السياسية الشاملة، ويفهم من كلامه هذا فيما يتعلق بسياسته الخارجية في الشرق الأوسط خصوصا بالنسبة لسورية أن احتضانه المؤيد للنظام السوري في المحافل الدولية ومجلس الأمن يمكن أن ينعكس في شكل سلبي على مستقبل العلاقات مع دول المنطقة، وذلك رغم أن بوتن مقتنع تماما أن المنفعة الاقتصادية المتأتية من سورية والمكاسب الاستراتيجية التي وفرتها لأسطوله سورية لن يتنازل عنها كونها أمنت له موقعا جغرافيا متقدما على البحر الأبيض المتوسط وهذا ما يجعله من الناحية العسكرية شريكا مع الولايات المتحدة في إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية من جهة ولمستقبل سورية من جهة أخرى، وإن بوتن ليرى أن دخول روسيا في تسوية سورية بالاتفاق مع أمريكا والغرب وهي بهذه القوة والامتيازات أقوى من تخليها عن نظام الأسد مع قبولها بالبديل وفقدانها مكاسبها ولذا لابد أن تناور وتقايض على تقاطع يضمن لها عدم خسارتها ويوفر الموقف المبرر الذي يعترف به الغرب وأمريكا ليصير إلى حل مناسب للأزمة السورية، ومع هذه المواقف التي عبر عنها وزير الخارجية الروسي بقوله: إن روسيا لم ولن تغير اتجاهها من النظام السوري يظهر إحكام المناورة إذ إن روسيا باتت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى أنه لابد من تعديل بوصلتها نحو الملف السوري بعد أن تيقنت أن سقوط الأسد بات قريبا جدا، ولابد لها أن تحفظ ماء وجهها وبشكل مبرر، ولكن غاية ما تصر عليه في طلبها كان متمثلا بقول بوتن لرئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان إنه يحذر من احتمال منح الإخوان المسلمين دورا مركزيا في النظام البديل لنظام البعث العلماني خصوصا بعد ظهور مجاهدين من القوقاز تطوعوا للقتال إلى جانب الجيش الحر خائفا من تجدد القتال ضد قواته في الشيشان مؤكداً أن الصين تشاركه هذه المخاوف- طبعا لأنها تابعة لروسيا في موقفها- محذرا أن امتداد الإسلام السياسي إلى دول البلقان وآسيا يشكل خطرا على تلك الدولتين الكبيرتين، أقول نعم وبهذه الحجة تذهب روسيا والصين إلى قبر الديمقراطية في سورية ودون أي حق للشعب السوري أن يقرر مصيره بيده، إن التحرك الحالي لإيفاد الأخضر الإبراهيمي إلى دمشق من جديد وعرض خطة متفق عليها بين أمريكا وروسيا على جزار دمشق لإنشاء حكومة انتقالية على أن يبقى هو في السلطة حتى انتهاء ولايته ولا يترشح لانتخابات جديدة إنما هي خطة فاشلة أساسا لأنها لا تراعي تطلعات الشعب المنتصر على جلاديه خاصة بعد الصولات الأخيرة للجيش الحر التي أفقدت النظام الأسدي سيطرته وهيمنت على العديد من مراكز قواه بقوة واستمساك، إن الموقف الروسي مضطر اليوم أن يسير في اتجاه لن يكون مضمونا ولكنه يجعله متذرعا أنه عمل جهده لإيقاف الحرب والرغبة في الانتقال السلمي للسلطة وهو يعلم من جهة أخرى أن الأسد لن يقبل بهذه الخطة أو هم أمروه ألا يقبل بها وادعوا غير ذلك، وعلى كل حال فإنهم يشعرون حقيقة أنهم هم في أزمة ولم يحسنوا تصور المعركة بين الظالم والمظلوم وكانوا دوما مساندين للأول ولا بأس بالاشتراك مع الغرب وأمريكا لإخراجهم بشكل ما من ورطتهم وإن اختلفوا في الرؤية، ولعل ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن المعارضة تسيطر على الأرض ولم يستبعد سقوطا وشيكا للنظام أوقع من تصريحات لافروف أو لعله تقاسم أدوارا بينهما فمن غير المعقول أن يصرح النائب شيئا لا يطلع عليه الوزير وإلا فهذا مما لا يليق دبلوماسيا وسياسيا واستراتيجيا، سيما أن لافروف أكد مؤخرا أنه لا يريد أن يكون ساعي بريد لإقناع الأسد بالتنحي عن السلطة وأن على من يعارضونه من الدول أن يقنعوه بذلك، وهي حيلة لا تخفي أنه غير راسخ في موقفه السابق من عدم قبول مجرد الكلام عن تنحي الأسد، إن القارئ المتجرد المنصف المتابع يقتنع جازما أن روسيا في موقفها الإجرامي اللاأخلاقي ومداورتها ومناورتها ومؤامرتها على الشعب السوري وإصرارها على سحق الأحرار خصوصا أهل السنة وعدم رفع أية راية لهم في سورية بعد عائلة الأسد العلوية أو لعدم وصول الإسلاميين إلى السلطة أمام العلمانيين والطائفيين القتلة، إنما تمتد في لعبتها النارية على حساب دمائنا، وإن أمريكا والغرب معها لفي موقف سيئ مقارب حيث التذرع السابق بعدم تغيير النظام حفاظا على الأقليات في زمان ظلم الأكثريات من جهة ولعدم وصول الإسلاميين أو حتى العلمانيين أو المستقلين إلى السلطة من جهة أخرى حماية لإسرائيل التي لم تهنأ ولم تهدأ كما كانت وتكون مع الأسد الأب والابن، إن الشرق والغرب متآمرون على الشعب السوري وثورته اليتيمة وحتى العرب والمسلمون الذين لم يقدموا حتى اليوم عشر ما يطلب منهم لنصرة أهلهم في سورية. وإن التاريخ لن يرحم أحدا في مقابل ما يقدم لنظام القتل الذي يسرح ويمرح فيه الجزار بشار كما يحلو لطبيعته المريضة الحاقدة، ولولا هذا التآمر العالمي ما كان له أن يفعل تلك المذابح المروعة على مدى عشرين شهرا والهولوكوست الفظيع الذي رأينا أمس حريقه المروع في مجزرة مدينة حلفايا بريف حماة بعد قصف الناس المتجمهرين ببارود الطيران أمام المخبز حيث قتل على الأقل أربعمائة شهيد عدا الجرحى في مشاهد مؤلمة للغاية من تقطيع للأوصال وحرق للرؤوس كما قصف المشفى الميداني في قرية اللطامنة بريف حماة كذلك واستشهد عشرات الجرحى... فإلى متى ترتوي إيران المجرمة الأولى مع الأسد وروسيا الدموية الدائمة إلى الأبد وأمريكا المنافقة المخادعة من دمائنا؟! لكن لا ريب أن الشعب السوري الصامد الحر والجيش السوري المقاتل الحر وحده بمعونة الله والتحدي الأسطوري البطل سيقربون فهم المعادلة التي بدأت تظهر ليهزم الجمع ويولون الدبر ويسألون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا، وتلك سنة الله في الظالمين.