21 سبتمبر 2025
تسجيلحالي كحال الكثيرين من المراقبين العرب الذين يلهفون لرصد أي كلمة تصدر عن التيارات الإسلامية التي تعتلي المشهد السياسي في البلدان العربية التي تحررت شعوبها من نير الديكتاتورية كما هو الحال في مصر وتونس وليبيا، ولا شك أن العين تجحظ أكثر نحو "إسلامي- مصر"، وتحديداً نحو "حزب النور" ذي التوجه السلفي، حيث لم نتفاجأ بحصول حركة الإخوان المسلمين على النسبة العالية من أصوات المصريين بحكم حضورها ونضالها التاريخي وتنظيمها الدقيق وقدرتها على الحشد، فضلاً عن المظلومية التي ألحقت بها منذ الملك فاروق وحتى الرئيس المخلوع حسني مبارك. لا شك أن مجيء "حزب النور" السلفي في المرتبة الثانية بعد "حزب العدالة والحرية"، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين، كان مفاجئاً للجميع لاسيَّما وأن الحزب نال نسبة تزيد عن %20 من أصوات المصريين، ما عجّل بطرح إشكالية الأداء السياسي للحزب الذي لا يُعرف له نشاط سياسي سابق في مصر، ولا يتوقف الأمر عند حدود السياسة الداخلية التي ترافقها في العادة أسئلة حول الديمقراطية وحقوق المرأة السياسية، وإذا كان المسيحيون "أهل الذمة" مواطنين من الدرجة الثانية.. إلى غير ذلك من الأسئلة الكلاسيكية التي تطرح عند الحديث عن مشاركة الإسلاميين في الحكم، وإنما يصل الأمر – خصوصا في الحالة المصرية – إلى السياسة الخارجية مثل كيفية التعامل مع اتفاقية كامب ديفيد والعلاقة مع كل من الولايات المتحدة وإيران. لعل ما صرّح به رئيس حزب النور عماد عبد الغفور لموقع "الجزيرة نت" يثير المزيد من التساؤل أكثر مما يجيب عن أسئلة مطروحة في الأساس. فإذا بدأنا بمعاهدة كامب ديفيد، فإن عبد الغفور يؤكد احترامها ويقول: " بالنسبة للمعاهدات التي ترتبط بها مصر يجب أن نحترمها ونطلب أن يتم تفعيلها". ولا تقف الدهشة عند هذا الحد، بل تبلغ مداها حين يجيب عبد الغفور عن مشروع التسوية في المنطقة على أساس حلّ الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالقول: "هذا الأمر قبل به الفلسطينيون، وما يقبله الفلسطينيون سوف نقبل به". حقيقة ليس مفهوماً ما إذا كان هذا الطرح يتناسب مع ما تحمله التيارات الإسلامية من مبادئ وأفكار متعلقة بفلسطين التاريخية. وما يثير الدهشة أكثر هو قبول المتحدث باسم حزب النور الدكتور يسري حمّاد الحديث إلى "راديو إسرائيل" حسب ما نقلت عنه صحيفة "المصري اليوم "، فالدكتور حماد أكد للصحيفة أنه أجرى لقاءً مع "راديو إسرائيل" عبر مراسل الإذاعة "جاكي خوجة" الذي اتصل به ليسأله عن هواجس إسرائيل من وصول السلفيين إلى الحكم.. فكيف للدكتور أن يقبل بالحديث مع مؤسسة رسمية في دولة إسرائيل؟ ألا يعتبر ذلك تطبيعاً إعلامياً.. وجميعنا يعلم موقف الأحزاب المصرية في رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال ومن ضمنها الإعلام الإسرائيلي.. أما فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران فقال عبد الغفور: "إيران تربطنا بها روابط قوية لأنها دولة إسلامية، ولأنها خاضت تجربة قوية لكي تكون لها حرية قرار وحرية إرادة وحركة... كون أن هناك خلافا مع فكر أو أيديولوجية الدولة لن يدفعنا للعداء معها، والأمر متوقف على المصالح التي تعود على الشعب المصري". وهذا بصراحة موقف يُشهد له، حيث ما نحتاج إليه في عالمنا العربي هو فتح حوار مع إيران بناء على روابط القربى والدين والمصالح المشتركة وليس صراعا مذهبياً أو أيديولوجيا، وبالتالي فإن موقفاً كهذا الذي صدر عن حزب النور يعتبر أنموذجا للأحزاب الإسلامية واليسارية والقومية في الدول العربية. ويبدو أن السلفيين يتطلعون إلى علاقة دولية متوازنة ومتعددة وفي ذلك يقول عبد الغفور: "فالنظام السابق كان يقيم علاقة بدولة واحدة (أمريكا) وكان له عداء مع النظم الأخرى، مصالحنا تكاد تكون ضائعة مع الدول الأخرى كاليابان والصين مثلا". فهل كان ما قدمه حزب النور لجهة العلاقة مع إسرائيل وحل الدولتين لا يعدو كونه زلة قدم في محاولة لطمأنة العالم حول وصوله للسلطة؟ أم أنها سياسة جديدة لتيار إسلامي؟ لم نعهد أن شاهدنا هذا النوع من الفكر السياسي الإسلامي في تعاطيه مع ما يعتبر مسلمات لا تقبل النقاش.. يبقى من المبكر الحكم على الحزب ومدى مرونته ونضوجه السياسي في قيادة مصر ومن حقه أن يأخذ وقته في ذلك، ولا ننسى ما قاله المفكر التونسي راشد الغونشي من أن مشاركة الإسلاميين وتحديدا السلفيين في الحكم سيضيق مساحة التنظير في فكر هذه الحركات لصالح الحلول الواقعية من خلال الاحتكاك المباشر بالواقع وتحدياته.