18 سبتمبر 2025
تسجيلانفجرت العلاقة بين تركيا وفرنسا على خلفية المسألة الأرمنية. فرنسا التي كانت اعترفت بـ"الإبادة" الأرمنية قبل عشر سنوات في العام 2001، تقدمت اليوم خطوة أخرى إلى الأمام في تشريع قانون يعاقب من ينكر وجود إبادة ضد الأرمن في العام 1915. ولأن الحكم استمرارية والجمهورية التركية وريثة الدولة العثمانية قانونيا ومعنويا مثلما كانت روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفييتي فإن قرار البرلمان الفرنسي يمس مباشرة الدولة التركية حاليا. ليست المرة الأولى التي تهتز فيها العلاقات التركية – الفرنسية. ففي العام 2006 أقر البرلمان الفرنسي معاقبة منكري الإبادة لكن الرئيس الفرنسي نفسه عطل القانون وفقا لصلاحياته ولم يصل إلى مجلس الشيوخ الفرنسي. اليوم وفي عهد ساركوزي نفسه تتم محاولة إعادة الكَرّة مع فارق أن الحسابات الداخلية الفرنسية المتمثلة في انتخابات الرئاسة الفرنسية في الربيع المقبل سوف تكون عاملا في أرجحية مرور مشروع القانون في مجلس الشيوخ ومن ثم للتصديق عليه من جانب الرئيس ما لم تطرأ عوامل تحول دون ذلك. الرئيس الفرنسي يدرك أن استطلاع الرأي يضعه في موقف ضعيف تجاه منافسه الاشتراكي في انتخابات الرئاسة وقد تكون النتائج متقاربة بل لعله بحاجة لكل صوت لكي يضمن بقاءه في دائرة السباق والمنافسة وبالتالي الفوز للاستمرار في قصر الإليزيه. ويحسب ساركوزي حسابا للأصوات الأرمنية التي تقارب النصف مليون. التوتر التركي – الفرنسي الجديد يأتي في سياق العلاقة ذات "التوتر المستدام" بين البلدين. إحدى أبرز مشكلات تركيا داخل الاتحاد الأوروبي هي مع فرنسا التي تتزعم جبهة المعارضين لانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي. معارضة الفرنسيين لانضمام أنقرة لا تقتصر على اليمين الفرنسي بل تطال أيضا الاشتراكيين وإن كان موقف الاشتراكيين أقل حدة ويمكن أن يتطور إلى قبول ضمن شروط معينة. ومؤخرا كرر ساركوزي موقفه المعارض لتركيا ليس لكونها بلدا مسلما أو لأن عدد سكانها كبيرا وغير قابل للهضم من جانب الأوروبيين بل لأن الاتحاد هو للبلدان الواقعة جغرافيا في نطاق القارة الأوروبية وتركيا، بحسب ساركوزي تقع في "آسيا الصغرى"، كما ذكر حرفيا، وبالتالي أزاح جانبا الأسباب الكامنة لرفض الانضمام التركي وهو اختلاف العقيدة الدينية. وتدخل تركيا في تنافس مع فرنسا في منطقة البحر المتوسط وكانت ليبيا مؤخرا ميدانا لهذا الصراع عندما وافقت أنقرة على تدخل شمال الأطلسي لكي تنزع من فرنسا تفردها في قيادة العمليات العسكرية. وبطبيعة الحال إن العطف الذي تكنه فرنسا على القضية الأرمنية يجعلها تجد نفسها بجانب أرمينيا أكثر من تركيا في النزاع التركي- الأرمني. ومع ذلك فإن العلاقات بين البلدين رغم كل توتراتها لم تشهد تطبيق تلك التحذيرات التي كانت أنقرة تحذّر منها سواء في عهد حكومات ما قبل حزب العدالة والتنمية أو مع هذا الحزب. ولا يتوقع اليوم مع تشريع قانون معاقبة منكري "الإبادة الأرمنية" أن تبادر تركيا إلى خطوات مهمة أو مؤثرة ضد فرنسا. أولا لأن عملية تشريع القرار لم تستكمل بعد وتحتاج بعد مرور مشروع القانون في البرلمان إلى مروره في مجلس الشيوخ ومن ثم إلى التصديق من قبل ساركوزي. ويأمل الأتراك خلال الأيام المقبلة أن تؤثر ضغوطاتهم وتهديداتهم لمنع موافقة مجلس الشيوخ أو لاحقا لمنع تصديق ساركوزي عليه. وفي حال استكمال عملية تشريع القانون ليس من المتوقع أن تغامر تركيا إلى إجراءات عقابية اقتصادية على فرنسا لأن جزءا مهما من هذه التجارة هي مع فرنسا ومع الاتحاد الأوروبي. وليس من مصلحة تركيا أن تضرّ باقتصادها. خصوصا أن حجم التبادل التجاري كبير يصل إلى 15 مليار دولار في العام 2010. كما أن الاستثمارات الفرنسية في تركيا كبيرة ويعمل فيها أكثر من خمسين ألف عامل تركي ولا تريد حكومة حزب العدالة والتنمية أن تتراجع التنمية الاقتصادية فيها القائمة في جزء منها على الاستثمارات الأجنبية. مع ذلك فإن تصديق البرلمان الفرنسي على قانون"الإبادة" يجب أن يكون حافزا للأتراك لكي يتصالحوا مع تاريخهم الممتلئ بالمشكلات والحوادث المؤلمة مع الأقليات التي كانت موجودة تحت سلطة الدولة العثمانية ومنها الأقلية الأرمنية التي تستحق من أنقرة ولو اعتذار في مرحلة أولى بمعزل عن توصيفها "إبادة" أو "كارثة".