17 سبتمبر 2025
تسجيلالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة هذه المرة لم يكن يسير وفق رغبات وتوقعات المخطط الإسرائيلي بثلاثية (نتنياهو، وليبرمان، وباراك). السحر انقلب على الساحر هذه المرة وربما لأمد طويل. شروط المقاومة لاستعادة التهدئة كانت كلفتها باهظة على الإسرائيلي الذي نجح في إطباق الحصار اللا إنساني على قطاع غزة لمدة ست سنوات خلت دون إحراج من المجتمع الدولي. المقاومة التي طالبت بالوقف الفوري للعدوان، وإنهاء الحصار، وإعادة العمل باتفاق المعابر لعام 2005 بين القطاع وإسرائيل، وجعل معبر رفح قضية مصرية- فلسطينية لا شأن للاحتلال بها، لم تكن تجرؤ على الحلم بهذه الشروط من قبل، فضلاً عن وضعها كبنود أساسية لتثبيت التهدئة. أمران أساسيان ساعدا حماس على رفع سقف شروطها لتحقيق التهدئة إلى هذا المستوى، نجاحها مع بقية الفصائل في تقديم مقاومة أبهرت الجميع مع وصول صواريخها إلى عمق عاصمة الاحتلال وما بعدها، الأمر الثاني هو التغير العميق الذي طال السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة. مصر اليوم على النقيض مما كانت عليه عشية العدوان الإسرائيلي على القطاع عامي 2008-2009، كانت يومها جزءا من المعركة التي شنّت على القطاع، بل كانت لاعباً أساسياً في الحصار وفي إملاء الشروط على الفلسطينيين وجزءًا من جهاز التحقيق مع المقاومين الجرحى الذين يصلون مصر للعلاج. اليوم تحولت مصر إلى ورقة مساندة وداعمة وحتى محرضة لحماس في مواجهة الاحتلال، وكما قال سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة: على إسرائيل أن تدرك أن مصر تغيرت، ولم تعد كنزا استراتيجيا لها. بعدوانها على القطاع، حاولت إسرائيل إحراج مصر، جسّ نبضها لترى ما السقف الذي قد تصله بعد هذه التغييرات التي طرأت على النظام المصري، كان ردّ الأخير في حده الأدنى صادما للإسرائيليين. قد يقول قائل، إن هدف إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة في عدوانها هو استخراج قرار دولي على شاكلة القرار الدولي 1701 في لبنان الذي أعاد الهدوء إلى الجبهة الشمالية لإسرائيل بظروف تتناسب مع الواقع الغزاوي، لكن ما لم يقرأه الإسرائيليون أن العدوان قدّم فرصة ذهبية لمصر لتحقيق تطلعاتها في أكثر من اتجاه. نجحت مصر في استعادة الورقة الفلسطينية من يدّ اللاعبين الآخرين. لم تعد إيران وسوريا صاحبتي الحظوة الكبرى لدى حماس وفصائل المقاومة الموجودة قياداتها في سوريا، فمصر اليوم هي من "تهندس" التهدئة، وهي من تجمع الفصائل في غزة، وهي من تدير ملف الانقسام بين فتح وحماس، فلا حماس، التي ترقص طرباً لنجاح الإخوان في حكم مصر، ترغب عنها راعياً لها، ولا الرئيس عباس يملك القدرة على الخروج من الحضن المصري في زمن الإخوان، ولن يقدر حتى لو كانت مداخل الضفة الغربية تمر عبر البوابة الأردنية، فثقل مصر كبير وأكبر مما يقدر عباس على تجاهله. عادت مصر لتمسك بالورقة المصرية من جميع أطرافها بمباركة عربية وتشجيع تركي وإذعان غربي لا يملك حيلة، وهذا دور طبيعي لمصر، كان لها وعاد إليها. بعودة الورقة الفلسطينية إلى مصر تكون الأخيرة عادت لتتحكم بجزء أساسي من أمنها القومي بعد أن نجحت في إدارة معركة غزة، وأثبتت قدرتها في الحضور والتأثير والضغط، وهي بذلك تبعد أيّ لاعب إقليمي رغب بمشاركتها الملف الفلسطيني، كما أنها تدفع الغرب إلى التعامل معها على أنها أكبر بكثير ممّا كانت عليه أيام مبارك، فهي اليوم تعيد ترميم علاقاتها مع جيرانها الأفارقة في الجنوب، وتعيد الإمساك بالورقة الفلسطينية كاملة، وتمد جسور التواصل مع تركيا ودول الخليج أكثر مما كان يفعل نظام مبارك، وتتحاشى أي مواجهة مع إيران.