18 سبتمبر 2025
تسجيلبعض ذوي القربى (الرسميين ابتداء) مقيم دائما حوالي المعسكر الصهيوني وتوابعه.. وهم معروفون بشعاراتهم ورموزهم ومواقفهم، ولا يكاد يقع حدث ذو صفة استراتيجية إلا وينفصلون عن الأمة.. انفصالهم هذا كان أكثر ما يبرز في الأحداث ذات العلاقة المباشرة بالصراع مع العدو الصهيوني وسياسات أمريكا ومشاريعها العدوانية في المنطقة.. افتضحوا كثيرا في الاعتداءين الصهيونيين الأخيرين، على لبنان صيف 2006 وعلى غزة شتاء 2008 عندما لم يترددوا في دعم العدو وتحميل المسؤولية للمقاومة في المرتين.. هؤلاء افتضحوا أيضا بالفساد المالي والأخلاقي وبالاستبداد الفكري والسياسي والأمني ضد شعوبهم.. ثم جاءت لحظة الحقيقة فانطلقت الشعوب في " ثورات الربيع العربي " التي كانت كلمة سرها " مواجهة الاستبداد والتحرر من الخوف والإرهاب الرسمي " فنال تلك النظم ما نالها من هذه الثورات وسقط منها الأكثر استبدادا على شعبه والأكثر ارتهانا للعدو.. الثورات ولأنها ضد الاستبداد أساسا لم تفرق بين النظم إلا على أساس من الأكثر استبدادا، فانتقلت بذلك إلى المعسكر الآخر الذي مع المقاومة (يجدر بالباحثين والمفكرين أن يبحثوا عن سبب وآليات هذا الانتقال) هنا وجد الفريق المفترق عن الأمة ضالته.. فقام يصنع اصطفافا جديدا وراح يتغزل بالشعوب وحقوقها وبالديمقراطية ينتصر لها.. لكن على ذات الأسس وعلى نفس الولاءات القديمة (اعتدال ضد ممانعة).. في المقابل رأينا وسمعنا آخرين من المصنفين في الممانعة ولهم ألسن في الدفاع عن المقاومة يشتمون الشعوب الثائرة ويطلقون عليها نعوت الخيانة وأوصاف الجهل وتهم المؤامرة ناسين أو متناسين المبررات المنطقية لهذه الثورات وأن المقاومة ومواجهة المخططات الصهيونية لا تتناقض مع الحرية وحق الشعوب في اختيار نظمها وحكامها.. فاختلطت كثير من الأمور وتناثرت كثير من الأوراق وتميعت كثير من القناعات.. ما يجعل ضروريا تمييز الأمور والتذكير بالأصول ووضع النقاط على الحروف.. وأقول: أولا: الناس ابتداء وانتهاء كلهم أحرار منذ ولدتهم أمهاتهم ومن حقهم أن يختاروا من يؤتمن على دينهم ومن يسوس لهم دنياهم.. وليس لأحد وطني أو مثقف أو سياسي أو إعلامي أو زعيم أيا كان أن يجعل الحرية ثمنا أو بديلا عن الوطنية، ولا أن يكون مستبدا ولا أن يدافع عن الاستبداد مهما كان مقاوما أو داعما للمقاومة.. فالمقاومة تبدأ من الشعور بالعزة ورفض الذل والقومية تبدأ من الوطنية! وأما من يدافع عن مثل هذا النظام فهو إنما يضلل الناس عن أوليات مفهوم المقاومة ويتناقض مع نفسه قبل أن يصفي حساباته مع غيره.. بالتالي فهو يستنزف رصيد المقاومة ورصيده، وهو يقلل من وجاهته ووجاهة قضيته ومن قدرته وقدرتها على التأثير على الرأي العام.. ثانيا: الظلم في سوريا بلغ حدا لم يعد ممكنا السكوت عليه، والمجازر بلغت مبلغا يعتبر من الخيانة للإسلام والإنسانية تجاهله.. وجرائم النظام تجاوزت جرائم العدو الصهيوني ضد أهلنا في فلسطين.. والقرار الذي اتخذته الجامعة العربية ضد هذه الجرائم وإن كان موقفا متفوقا ونقلة نوعية ويرفع قيمة هذه الجامعة ويوطد أسس التضامن الحقيقي بين أعضائها.. ومع ذلك فليس لها أن تتغافل عن نظام علي عبدالله صالح في اليمن الذي أهان الشرفاء وأوقف حال بلده وهو يحاول ليل نهار جرجرة شعبه إلى الحرب الأهلية! المطلوب هنا ليس أن تتراجع الجامعة العربية عن موقفها ضد النظام السوري ، ولكن أن ترتفع عن المكاييل المتعددة والمقاييس المزدوجة، وأن تعتبر كل شعوبنا محقونة الدماء ومستحقة النصرة والحماية، وأن تطور نظاما يتماشى مع الاحتياجات الجديدة المفرزة على أساس الثورات والتغييرات العربية وليس على أساس تحالفات قديمة وتحكمات أمريكية وشبه أمريكية. ثالثا: بعض الدول صدقت عندما تعاملت مع معادلة الصراع الكبرى مع العدو، وهي اليوم تصدق إذ تقف مع الشعوب ومع حقن الدماء البريئة، فإذا تقاطع موقف لها مرة أو مرتين في قضية أو قضيتين مع تلك النظم من المعادلة الأخرى فلا يجوز خلط الغث بالسمين واتهامها بأنها انتقلت للمحور النقيض.. الصحيح أن تحقق المواقف على أساس أن سلوكها في قضية ما ينظر ويقيم ضمن سياق كل مواقفها.. بالتالي فليس مقبولا ممن يتعاطفون مع النظام السوري أن ينسوا مسيرة طويلة من الوطنية لدول مثل قطر وتركيا لمجرد أنهما وقفا موقفا فيه إنصاف للشعب السوري.. المتعاطفون والمدافعون هؤلاء يجب أن يقوموا بدور أكثر جدوى وأولى بالجهد والتعب. رابعا: على المتعاطفين مع النظام السوري والمدافعين عن جرائمه أن يقوموا بدور آخر أكثر جدوى وأنفع له.. وله شقان، الأول: نصحه ومساعدته على استخلاص العبر واحتواء الأزمة التي يبدو أنها ستطحنه كما طحنت نظما قبله كانت أشد إرهابا لشعوبها وأكثر سطوة عليها.. وهو دور يجب أن يقوموا به دون تأخير، أما الشق الثاني من دورهم فهو لملمة معسكر الصداقة والإخوة المسفوحة بين النظام السوري وأصدقائه القدامى على قاعدة جمع المعارضة بالنظام وترتيب نقل السلطة سلميا. هذا هو الدور الممكن والصحيح بل الواجب لهؤلاء المدافعين عن النظام السوري لا أن يحرقوا أوراقهم ثم يعجزوا عن فعل شيء.. وماذا يفيد النظام السوري أو يضير قطر وتركيا كل الجعجعات الإعلامية التي يطلقونها وكل الشتم الذي يتباذؤون به..؟ خامسا: ما لا يتنبه له النظام السوري والمدافعون عنه هو أن عليهم أن لا يستهينوا بالتغيرات والاصطفافات الجديدة بعد الثورات وبعد فقدانهم الحلفاء القدامى.. العقل ليس فقط أن يتحدث الوزير السوري - وليد المعلم - بهدوء ولا أن يتصنع نكتة هو يطلقها وهو فقط من يضحك عليها، ولا أن يقول سنفترض أن أوروبا غير موجودة على الخريطة، ولا أن يتهم بالخيانة الجامعة العربية.. ولكن العقل كل العقل والصواب كل الصواب والقوة كل القوة أن يروا نوع وحجم التغيرات الجارية.. وأن يعترفوا بأن الخاسر الأكبر هو النظام السوري الذي يفقد معادلات قوته وصموده كلما فقد احترام وثقة شعبه، وكلما فقد الجامعة العربية، وكلما ابتعدت عنه قطر وتركيا وانقطعت رحم الممانعة التي كانت تجمعه بهما.. يبدو أن النظام السوري لا يحس بدخول مصر وتونس وليبيا – بعد الثورات – على خط المقاومة.. بما يستدعي أن لا ينفرد عن كل هؤلاء فضلا عن أن يضع نفسه في مهب عواصفهم كما نراه يفعل حتى الآن على الأقل.. يخطئ النظام السوري إذا بالغ في تقدير وتوقع قدرة إيران على نصرته وهي التي تلملم معادلاتها، ويخطئ إن يبالغ في التعويل على النظامين العراقي واللبناني فلكل معادلاته وإشكالاته.. آخر القول: ليس من المنطق ولا المقبول أن تلون القرارات العربية وفق الولاءات القديمة التي وقفت دائما مع " إسرائيل " وأمريكا ضد الأمة، وبقدر ما البلطجة التي يقوم بها النظام السوري ضد شعبه قبيحة، فإن بلطجة النظام اليمني لا تقل عنها قبحا، ولا يجوز أن ترى الأمور بعين واحدة..