13 سبتمبر 2025

تسجيل

ثقافة الصورة

24 أكتوبر 2023

ظلت الصورة تشكل محورًا رئيسًا لوسائل وأجهزة الإعلام منذ بواكير نشأتها، وحتى يومنا، مرورًا بكل مراحل التحول والتطور، وخاصة بالنسبة للإعلام المرئي والمقروء، للدرجة التي جعلت الإعلام المسموع يلجأ في مراحل تطوره إلى تضمين الصورة مع محتواه، عير منصاته الرقمية. هذه القيمة للصورة، أصبحت آخذة في الأهمية والضرورة، للدرجة التي جعلت من الصورة ثقافة، تشكل دعامة لا غنى عنها للإعلام، حتى أضحت مصدرًا للعديد من الدراسات والأبحاث، على نحو تلك الدراسة، التي نشرتها مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية في جامعة تبسة بالجزائر، قبل عدة سنوات، لكل من الباحثين قارش محمد، وهادف مصطفى، بعنوان«ثقافة الصورة وتأثيرها على الرأي العام»، ذهبا فيها إلى أن «ثقافة الصورة تعد العمود الفقري للثقافة الجماهيرية». وفي سياق آخر اعتبر الباحثان مقاومة الصور المغلوطة، لا يكون إلا بصورة مثلها، «تملك نفس الدرجة من الأهمية والقوة». من هنا، يبدو جليًا ما للصورة من أهمية وتأثير كبيرين، للدرجة التي جعلت البعض يصفها بأنها تسهم في صناعة الرأي العام، وتقوده في أحيان كثيرة، على نحو ما يجرى توظيفه اليوم من اعتداء وحشي على أشقائنا في غزة، عندما روجت آلة الحرب الصهيونية، ومن لف لفيفها، صورًا مغلوطة تدعي قطع رؤوس الأطفال، والاعتداء على النساء، أثناء معركة «طوفان الأقصى». وزادت هذه الآلة في غيها، بترويج صور أخرى مغلوطة، لتبرر به جريمتها في العدوان على مستشفى المعمداني في غزة، لتبني عدة دوائر غربية سرديتها في تبرير العدوان، على هذه الصور الملفقة، وتشاطر في الوقت نفسه آلة الإعلام الصهيوني، الأكاذيب بحق الشعب الفلسطيني، رغم كشف زيف هذه الصور، وعدم صحتها بالأساس. وفي المقابل، رأينا تلك الجهود الفردية، من جانب بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، لتفكيك هذه الصور الملفقة، وإبراز أكاذيبها، والتي كشفت معها أيضًا زيف كبريات أجهزة ووسائل الإعلام الغربية، والتي كان يُشار إليها البنان، من حيث المصداقية والمهنية، لترسب في أقوى اختبار لها، وتسقط معه قيمها المهنية، ومعها الأخلاقية. هذه الجهود الفردية، قادتنا اليوم إلى حالة من التعاطف الشعبي العالمي مع القضية الفلسطينية، جعلته يطلق رصاصات الرحمة على تلك التطمينات الزائفة، التي كانت تصدرها لنا العديد من الدوائر الغربية الرسمية، لتسقط معها أيضًا كافة ما تدعيه من قيم إنسانية زائفة، ومبادئ مزعومة، وحقوق للإنسان، أول من تهدرها هذه الدوائر، أو بدعم مرتكبيها. لقد أسقطت ثقافة الصورة، الأقنعة عن كل من كان يحمل الأقنعة، لنستحضر هنا، قصيدة الشاعر الراحل محمود درويش، أحد شعراء «أدب المقاومة» - لتكون خير ختام لمقالنا - والتي يستهلها بقوله: «سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ».