16 سبتمبر 2025

تسجيل

توارد الخواطر.. قوة بشرية خفية

24 أكتوبر 2019

الإنسان يعيش بين عالمين مادي محسوس ظاهري وآخر روحي غير ظاهر التخاطر عن بعد له علاقة وثيقة بالمخ وقدراته الهائلة على الاتصال دعني، قبل أن أتعمق بعض الشيء في هذا الموضوع، أثير انتباهك بهذا السؤال: ألم تلاحظ يوماً أن والدتك شعرت بعدم ارتياح تجاه أمر ما يتعلق بأحد أبنائها وهو بعيد عنها؟ وتسمع بعد ذلك أن أمر سوء قد وقع له فعلاً؟ ألم تمر عليك حادثة واحدة أو أكثر، تكون حينها مهموماً بأمر ما يتعلق بشخص معين، فإذا به يفاجئك بتواصله في اللحظة التي أنت تفكر فيه، سواء بوسائل الاتصال المعروفة، أو تجده وقد حضر أمامك على شكل زيارة مفاجئة غير مرتبة الموعد؟ ألم يحدث لك أمرٌ شبيه بهذا من قبل؟ هل قرأت أو سمعت قصة الفاروق عمر رضي الله عنه المعروفة مع صحابي يُدعى سارية، وكان قائداً لسرية بعثها عمر إلى العراق؟ فقد أورد المؤرخون القصة عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما وأرضاهما، أنه – ويقصد الفاروق عمر - كان يخطب يوم الجمعة، فعرض في خطبته أن قال: يا سارية.. الجبل، الجبل. من استرعى الذئب الغنم، فقد ظلم ! التفت الناس بعضهم إلى بعض، فقال لهم علي بن أبي طالب وقد كان حاضراً الخطبة: ويحكم، دعوا عمر، فإنه ما دخل في أمر إلا خرج منه. فلما فرغ الفاروق من خطبته، سألوه عن كلماته التي لم تكن تتعلق بموضوع الخطبة، فقال: والله ما ألقيت له بالاً.. شيءٌ أتى على لساني. فقد وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا وانهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجه واحد، وإن جاوزوا هلكوا، فخرج مني ما تزعمون أنكم سمعتموه. ثم ما لبث أن تبينت القصة فيما بعد، حين قدم سارية على عمر في المدينة فقال: يا أمير المؤمنين، تكاثر العدو على جنود المسلمين وأصبحنا في خطر عظيم، فسمعت صوتاً ينادي: يا سارية.. الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم! عندئذ التجأت بأصحابي إلى سفح جبل واتخذت ذروته درءاً لنا يحمي مؤخرة الجيش، وواجهنا الفرس من جهة واحدة، فما كانت إلا ساعة حتى فتح الله علينا وانتصرنا عليهم. مما سبق من القول، يدرجه بعض المشتغلين في علم النفس ضمن قوى الإنسان الخفية المتعددة، ومنها قوة التخاطر عن بعد، التي حيرت علماء العصر الحديث الذين بدأوا في دراستها كحقيقة علمية موجودة وواقعة، وإن لم يقدر العلم الحديث بعدُ على اثبات ذلك بأدلة واضحة واقعية كافية ومتكررة، وإن كان ذلك لا يعني أن هذا الأمر غير موجود. هذا الأمر له علاقة، كما يقول العلماء، بعالم الروح الشفاف. العالم الذي يختلف عن العالم المادي المحسوس والظاهر. ذلك أن الإنسان يعيش بين عالمين، مادي محسوس ظاهري، وآخر روحي غير ظاهر، لكنه موجود ولا يمكن لأحد أن ينكر وجوده، حتى وإن لم يستطع تصديقه وقبوله في الوقت ذاته. كنوع من تبسيط وتوضيح الامر، يقول المشتغلون بهذا الأمر من علماء النفس، إن التخاطر عن بعد أو " تيلي باثي Telepathy" له علاقة وثيقة بالمخ وقدراته الهائلة على الاتصال، وأن الأمر أشبه بعمليات ارسال واستقبال الذبذبات الالكترونية كما في عالم الاتصال أو عالم الهواتف على سبيل المثال، حيث تكون هناك عادة محطة تُرسل ذبذبات، وبالمقابل توجد أخرى تستقبل تلك الذبذبات حتى يحدث التواصل وتكتمل عملية الاتصال. في موضوعنا مدار الحديث.. نجد أن محطات الإرسال والاستقبال ها هنا هي المخ البشري. مخٌ يرسل ذبذبات إلكترونية وآخر يستقبلها. ويقال إنه لإتمام عملية التواصل بالشكل المأمول، أو الإرسال والاستقبال، فلابد من شروط، أهمها أن تكون النفسُ صافية طيبة شفافة في لحظات التواصل تلك، لا تشغلها أي شواغل أخرى. فكلما زاد التركيز على أمر واحد فقط، كلما سهلت عملية التخاطر مع نفس أخرى شبيهة. إذ لا يمكن أن يحدث التخاطر في بيئة ضوضاء أو نفس بشرية عصبية متوترة أو حاقدة حاسدة تغلفها الكراهية، فكلها تعمل عمل الموانع والحواجز. بعض العلماء قاموا بتجارب معملية لإثبات حقيقة التخاطر عن بعد، وقدرة الإنسان على القيام بذلك النوع من التواصل. فشلت بعضها ونجحت أخرى قليلة. لكن تلك النجاحات النادرة ما زالت لا تدعم الذين يميلون إلى اثبات صحة هذه القوة، التي يعتبرونها خفية في الإنسان وبحاجة إلى فهم أعمق لآلياتها وكيفية استثمارها. لكن على رغم تلك الإخفاقات أو ندرة التجارب الناجحة، لا يمكن - كما أسلفنا - انكار هذه المسألة، باعتبار أنها حدثت وما زالت تحدث لكثيرين منا، بل ربما أحدنا مر بالتجربة ذاتها مع أقرباء أو أصدقاء مقربين، تفاجأ بها في حينها وأثارت انتباهه للحظات، وبدأ يتحدث عنها مع آخرين، ومع الوقت ينساها ولا يلقي لها بالاً طويلاً، أو لا يشغل نفسه بها. هذا هو المنطق السليم في التعامل مع مثل هذه الظواهر غير المحسوسة، التي لا أقول بتجاهلها كلياً، ولكن في الوقت ذاته لا يجب أن ينغمس أحدنا فيها ويشغل نفسه بها طويلا، ما لم يكن للأمر صلة بأبحاث ودراسات علمية. ذلك أن ما يتوفر بين أيدينا من وسائل وتقنيات تواصل وكشف ما خفي عن الأبصار والأسماع، تكفي الإنسان وتلبي حاجياته. مع الإشارة في ختام هذا الحديث، إلى حقيقة أن الإنسان عالم مليء بالأسرار لم يكشفها علم الإنسان بعد. عالمٌ يحتاج لمزيد بحث ودراسة وتأمل، لمزيد إيمان وتعميق الصلة بالخالق عز وجل، الواحد الأحد (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). [email protected]