31 أكتوبر 2025

تسجيل

خلفيات الصراعات الدينية في العالم العربي

24 أكتوبر 2015

منذ أواخر السبعينيات وبشكل تصاعدي، أضحت الصراعات الدينية تستحوذ على أغلب الصراعات المجتمعية محليا وإقليميا ودولياً حيث يبدو الدين حاضرا فيها بشكل ما. وهذا ما استرعى انتباه الباحثين الذين تصدوا لهذه الظاهرة درساً وتحليلاً، ففي دراسة مسحية يوردها اكرام بركان في أطروحته العلمية المقدمة لجامعة باتنة المغاربية عام 2010 استنادا إلى تحليل للبيانات في الدول الفاشلة بين عامي 1948 و2003 تبين فيها أن الصراعات الدينية قد ارتفعت من 25% من جميع الصراعات المحلية في عام 1976 إلى 60% في العام 2003. ولا شك أنها ما بعد 2003 قد تصاعدت بشكل كبير في العالم العربي حيث تسبب الغزو الأمريكي للعراق بتفجر الصراعات المذهبية في عموم المنطقة كما سنلاحظ في سياق هذا المقال. ويرى روبن رايت Robin Wright أنه منذ مطلع الألفية الجديدة أصبح الدين قوة حيوية للتغيير على النطاق العالمي. فالدين يوفر الهوية المشروعية والبنية التحتية بدرجات متباينة وقز لوحظ عودة البوذيين في شرق آسيا إلى الدين. كما الكاثوليك في شرق أوروبا وفي أمريكا اللاتينية، وفي الفلبين والهند عاد السيخ والهندوس للتشبث بمعتقداتهم كي يحددوا أهدافهم.أما في الشرق الأوسط فيأخذ الدين بعداً أعمق وأكثر أهمية بالنظر إلى أربعة شروط وفقاً لما يرى الباحث الغربي فوكس جونوثن Fox Jonathan: دور الدين في الصراعات القائمة كما هو الحال في فلسطين المحتلة، وجود التمييز الديني داخل السلطة والمجتمع، وحراك أقلوي يطالب بالمزيد من الحقوق الدينية، واستحضار الدين في التنافس على السلطة. والمتأمل في مجتمعاتنا العربية يجد أنها تعيش حالة من التشظي والتمزق العنيف على أسس مذهبية وعرقية. نشهدها على طول قوس الأزمات الممتد من المغرب العربي إلى أقصاه. قتل واسترقاق ونفي في عالم تزدحم فيه الهويات القاتلة وهي غربة حقيقية تعيشها المجتمعات التي لا تجد لنفسها مكاناً تحت الشمس إلا إذا نفي الآخر من الأرض، الآخر الذي ليس إلا أخا في اللغة أو الدين أو الوطن لكنه صاحب رأي مختلف. وقد بلغ التمزق أقصاه مع بلوغ بعض التنظيمات المتطرفة حداً في التوحش الفكري والسلوكي ما استرعى انتباه العالم لخطره وغلوائه. وقد أرجع بعض الباحثين الأسباب، كما هو حال عهد كمال شلغين في كتابه "الهويّة العربيّة صراع فكري وأزمة واقع" إلى فقدان الهوية الجامعة عند العرب الذين لم يصلوا حتى اليوم إلى هويّة كليّة منتصرة على باقي الهويّات. وكثرة الانتماءات غالباً ما تتحول إلى أداة للصراع مع الآخر حتى إنها تصل إلى ذريعة للقتل، كما يحدث اليوم، ما يوسع دائرة الخلاف بين العرب أنفسهم، فكل منهم يحاول تأسيس خطابه بناءً على مبادئ وأفكار خاصّة به لا يشترك بها مع غيره. وإذا كان شلغين محقاً فيما يقول، إلا أننا لا يمكن استبعاد العامل الخارجي. وهذا ما يشير إليه الكاتب اللبناني أمين معلوف في كتابه الهويات القاتلة حيث يرى أن الحركات الأصولية التي ظهرت في التسعينيات إلى اليوم ليست وليدة التاريخ الإسلامي، ولا هي ترجمة فعلية لنص متشدد. وإنما هي وليدة عصرنا الذي نعيش فيه بكل اضطراباته وتشوهاته وخيباته. ولسائل أن يسأل لماذا تفجرت الهويات الطائفية بعد العام 2003 بشكل ضخم ولم تتفجر قبله طالما أن النصوص موجودة في بطون الكتب وأن مشاكل المجتمعات العربية لم يطرأ عليها جديد؟ الجواب يتضح في الغزو الأمريكي للعراق الذي أيضا حمل في بعض مضامينه نبوءات دينية تجاه العالم الإسلامي والشرق الأوسط تحديداً. فالمستشرق برنارد لويس يعتبر أباً روحياً لمدرسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة التي تخرج الرئيس السابق جورج بوش الابن.. رأى لويس أن تمزيق المنطقة العربية والإسلامية طائفياً وعرقياً هو استجابة طبيعية لدواعي التاريخ والجغرافية والثقافة والتراث. آمن بوش بطروحات معلمه فغزا العراق عام 2003 ثم سعى لإعادة ترتيب أوضاعه على أسس طائفية وعرقية. فتفجرت الطائفية هناك، ومن ثم تمددت ألسنة لهبها شرقا وغربا في بلاد العرب والمسلمين. قبل الاحتلال الأمريكي للعراق كانت وجهة الجهاد الإسلامي نحو الاستكبار العالمي أمريكا والغرب إلا أنها بعد الاحتلال استحال الجهاد فيها فرضاً مقدساً ضد أخا اللغة والدين والوطن.