12 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أكثر من نصف قرن من خروج فرنسا من الجزائر بعد حرب ضروس دامت أكثر من سبع سنوات وخلّفت أكثر من مليون ونصف المليون شهيد مازالت القوة الكولونيالية الاستعمارية السابقة تتعامل مع الجزائر بروح الاستعلاء والغطرسة. فالمتتبع للعلاقات الفرنسية الجزائرية يلاحظ أنها كانت دائما محل تجاذبات وصراعات بسبب الثقل التاريخي الضاغط بين طرف جزائري يريد من فرنسا "الاعتراف" بجرائمها إبان الفترة الاستعمارية كمرتكز أساسي لكل علاقة ثنائية قائمة على السيادة والندّية، وبين طرف فرنسي يريد القفز على ماضيه الاستعماري باعتباره جزءا لا يتجزأ من تاريخ فرنسا. فرنسا ذهبت إلى حد بعيد مناف للأعراف الدولية والقيم الإنسانية وهو تمجيد الاستعمار. فمتى كان الاستعمار عبر التاريخ إيجابيا ومفيدا. ممكن للفرنسيين تكون الإجابة بنعم حيث إنهم مازالوا يفكرون أنهم خُلقوا لقيادة الشعوب المستضعفة والفقيرة. في ظرف زمن وجيز أهانت فرنسا الجزائر ثلاث مرات من خلال التفتيش الجسدي لثلاثة وزراء في مطار باريس، والغريب في الأمر هو الرد دائما بالأسف وأن هناك خطأ لا يجب أن يتكرر وهنا نلاحظ قمة السذاجة والوقاحة والاستخفاف بالآخر، كيف لا والموضوع واضح للعيان. هذا شيء ليس غريبا على دولة استعمارية مجرمة وغاشمة قتلت مليونا ونصف مليون جزائري لا لشيء إلا لأنهم أرادوا أن يعيشوا أحرارا في بلدهم. فرنسا قتلت في يوم واحد45 ألفا من الجزائريين وجهّلت شعب على مدى 130 سنة، وحاولت بكل ما أوتيت من قوى محو الهوية العربية الإسلامية للجزائر وعملت ليل نهار لجعل الجزائر مقاطعة فرنسية ومحافظة من محافظاتها. حادث الإهانة الذي تعرض له وزير الاتصال بمطار أورلي، لم يكن الأول في حق حكومة سلال حتى تكتفي بما صدر من "تأسف" باهت من الإيليزي، ولا يفترض أصلا أن ننظر إليه كخطأ ارتكبه أمن المطار، لا ينبغي البحث له عن مسؤوليات على مستوى أعلى في الحكومة الفرنسية، وعن دوافع له في مستجد غير معلن، يكون قد حصل في العلاقات بين البلدين. أخطاء متكررة في شهرين، بدأت بإهانات بروتوكولية تعرض لها وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب ووزير السكن عبد المجيد تبون، كانت قد حصلت من مستويات رفيعة في الحكومة الفرنسية، حدثت في الوقت الذي كان الطرفان يتنافسان فيه على التنويه بجودة العلاقات، كان آخرها التصريحات المتفائلة لرئيس مجلس الشيوخ الفرنسي. وصفت وزارة الخارجية الفرنسية، الإثنين، حادثة تفتيش وزير الاتصال الجزائري حميد قرين بـ"الأمر المؤسف" ووعدت بأن لا يتكرّر، وهو أول ردّ رسمي من الحكومة الفرنسية بعد استدعاء السلطات الجزائرية، الأحد، السفير الفرنسي برنار إيمي وتبليغه احتجاجا ورفضا للمعاملة التي تعرَّض لها الوزير قرين في مطار أورلي. وقالت وزارة الخارجية الفرنسية على لسان الناطق باسمها، رومان نادال، إنها ستعمل بالتنسيق مع شرطة المطارات حتى لا يتكرّر ما حدث "نحن ملتزمون بتسهيل تنقل المسؤولين الأجانب، ولهذا سنعمل بالتنسيق مع وزارة الداخلية ومصالح مطارات باريس، حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث المؤسفة". وكان وزير الاتصال تعرّض لتفتيش جسدي، السبت الماضي، وهو في طريق عودته إلى الجزائر عبر مطار أورلي، ورغم أن الوزير حاول منع أفراد شرطة الحدود من تفتيشه بصفته وزيرا في الحكومة الجزائرية يحمل جواز سفر دبلوماسيا ومعه أمر بمهمة، إلا أن أفراد الشرطة أبلغوه أنهم ينفّذون الأوامر. تجدر الإشارة أنه سبق وأن تعرض الوزيران عبد المجيد تبون وعبد السلام بوشوارب لمعاملة غير لائقة على التراب الفرنسي ورغم ذلك لم تعتذر الحكومة الفرنسية عن الحادثتين. عبّرت الحكومة الفرنسية عن أسفها لحادثة "التفتيش المهينة"، التي تعرّض لها وزير الاتصال، عبد الحميد قرين، بمطار أورلي بباريس، السبت المنصرم، وتسبّبت في استدعاء السفير الفرنسي بالجزائر وتبليغه احتجاجا رسميا. تصريح "الكيدورسي" جاء بعد التطورات التي أخذتها حادثة "التفتيش المهينة" للمسؤول الجزائري، التي أدت إلى استدعاء السفير الفرنسي بالجزائر، برنار إيميي، من قبل وزارة الخارجية، التي أبلغته غضب الطرف الجزائري جراء المعاملة غير اللائقة، لمسؤول يحمل جواز سفر دبلوماسيا. ويعتبر الوزراء من حملة الجوازات الدبلوماسية، وهو ما يمنحهم حصانة من التفتيش، من قبل شرطة الحدود في مراكز العبور لكونهم يمرون عبر القاعة الشرفية المخصصة لكبار الضيوف. أما الذين يمرون عبر القنوات العادية، فيكفيهم إظهار هويتهم حتى يتم التعامل معهم وفق القانون، وفي هذه الحالة، لا يمكن للشرطة أن تخضعهم لتفتيش أو مراقبة، إلا في حالات محددة، مثل قيام الشخص المسافر بحركات خطيرة أو مشبوهة تلفت انتباه عناصر الشرطة. واقتصر التصريح الذي أدلى به المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية، على "التأسّف" ولم يتضمن أي إشارة إلى "الاعتذار"، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن قيمة تعاطي السلطات الفرنسية مع الاحتجاج الجزائري الذي يبدو أكثر من مبرر. ولم يشر المسؤول الفرنسي إن كانت بلاده قد اتصلت عبر قنواتها الرسمية بالسلطات الجزائرية لتقديم الاعتذار أو التأسف، مثلما حصل مع الحادثة التي تعرض لها وزير الخارجية المغربي العام المنصرم، صلاح الدين مزوار، بمطار رواسي شارل دي غول، بباريس، وقال يومها رومان نادال للصحافة:"إن لوران فابيوس اتصل بنظيره المغربي كي ينقل إليه اعتذار السلطات الفرنسية عن الإزعاج الذي تعرض له الوزير المغربي"، وهي الجملة التي اختفت من تصريح المسؤول الفرنسي بخصوص حادثة قرين وقبلها حادثتا تبون وبوالشوارب. ومعلوم أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تعيش واحدة من أزهى فتراتها في السنوات الأخيرة، على المستوى السياسي وعلى المستوى الاقتصادي، خاصة بعد وصول الرئيس فرانسوا هولاند إلى سدة قصر الإيليزي في عام 2012، ما يثير الاستغراب وعدة تساؤلات عن وقوع حوادث من هذا القبيل. ما يلاحظ مع الأسف الشديد أن ما تقدمه الجزائر لحكومة فرنسا لم تقدمه أي حكومة جزائرية من قبل، هناك تعاون كبير وغير مشروط للجزائر الرسمية في قضايا هامة إقليميا ودوليا. وهناك فقدان لهيبة الجزائر بسبب الشكل الحالي لتعاونها مع باريس التي أصبحت تفرض شروطها وتطلب المزيد، وقد أوصل هذا التمادي الفرنسي إلى حد الإهانة المؤسساتية للمسؤولين ومن ورائهم الشعب الجزائري والجمهورية الجزائرية. فمطالب الخارجية الجزائرية بشأن قضية وزير الاتصال حميد قرين لم ترق إلى مستوى خطورة الحادث والغريب في الأمر أن الجزائر لم تطالب بفتح تحقيق في الحادثة لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المتسببين، وهنا نلاحظ ضعف الطرف الجزائري وعنجهية وغطرسة الجانب الفرنسي.