19 سبتمبر 2025
تسجيلأسبوع بالضبط يفصلنا عن الانتخابات النيابية التي ستجري في تركيا في مطلع نوفمبر 2015، وتأتي هذه الانتخابات بعد أربعة أشهر فقط على انقضاء آخر انتخابات نيابية جرت في السابع من يونيو الماضي. ليس من السهولة أن تتعبأ القوى السياسية المحلية من جديد خلال مدة زمنية قصيرة لمثل هذا الاستحقاق الانتخابي السياسي، فالاستعداد لأي انتخابات من جميع النواحي يتطلب وقتا وجهدا ومالا ونفسا طويلا، لذا فإن الذهاب إلى انتخابات ثانية خلال وقت قصير أمر مرهق ومنهك للقوى السياسية جمعاء. لاشك أن تركيا تذهب إلى انتخابات مبكرة مدفوعة بحوافز متباينة بين الحزب الحاكم أي حزب العدالة والتنمية وبين أحزاب المعارضة. فالواضح أن حزب العدالة والتنمية هو الأكثر رغبة إلى إعادة الانتخابات من بين سائر الأحزاب الأخرى. فقد أخفق الحزب في نيل الغالبية المطلقة، أي النصف زائد واحد في البرلمان (أي 276 مقعدا) واكتفى بـ258 مقعدا.وهذا كانت له نتائج كبيرة ومهمة، إذ لم يعد بإمكان الحزب الحاكم أن يتفرد بالقرار السياسي وبكل القرارات الأخرى، وهذا أمر لم يعتد عليه حزب العدالة والتنمية بعد 13 عاما من التحكم بالقرارات الداخلية والخارجية، كما إن خروج حزب العدالة والتنمية من التفرد بالقرار يرتّب تحولات جذرية في السياسات التركية ولاسيَّما الخارجية من دون إهمال انعكاسات ذلك السلبية على طبيعة سلطة حزب العدالة والتنمية. لذا فإن الحافز الأكبر هو لدى حزب العدالة والتنمية الذي سلك كل السبل من أجل الفوز بالانتخابات المقبلة، بمعزل عن الرهانات التي يراهن عليها حزب العدالة والتنمية فإن المعارضة التي تعتقد أن الحزب الحاكم لم يقرأ جيدا دروس انتخابات السابع من يونيو، تبذل جهدها وتركز على هدف واحد وهو ألا يحصل حزب العدالة والتنمية على النصف زائد واحد. مثل هذه النتيجة ستحدث زلزالا لا يمكن لقادة حزب العدالة والتنمية أن يعالجوه أو يستوعبوه بالدعوة إلى انتخابات نيابية ثالثة مبكرة كما فعلوا مع الانتخابات الماضية. لذا فإن هذه الانتخابات ستكون في غاية الأهمية في حال أخفق حزب العدالة والتنمية في العودة منفردا إلى السلطة. في حال حصل ذلك فإن تركيا ستكون مدعوة لتشكيل حكومة ائتلافية بين حزب العدالة والتنمية، كونه الحزب الأكبر والأول وبين حزب آخر من المعارضة. هنا فإن الكلام يتجه إلى حزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني الذي يعكس الحساسية العلمانية وهو الحزب الثاني في البلاد بحوالي 25 في المائة، وهناك خيار التحالف بين العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية اليميني المتشدد، أما الخيار الثالث فهو مستبعد وهو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. ولا شك أن حزب العدالة والتنمية سيحاول تجنب خيار التحالف مع الحركة القومية إلا إذا أجبر على ذلك، إذ إن مثل هذا التحالف يعني تشكيل عصبية قومية تركية توجه رسالة إلى الأكراد أن أمامهم إما الاستسلام أو البقاء تحت سيف الملاحقة والقمع. في ظل المشكلات التي تعاني منها تركيا سيكون مفيدا لها وللاستقرار حتى لو فاز حزب العدالة والتنمية بغالبية النصف زائد واحد أن تدخل رهان التحالف الحكومي مع الجناح الآخر الأكبر في البلاد أي الكتلة العلمانية ليشكلا معا حوالي 65-70 في المائة من الكتلة الناخبة. والمسألة ليست في العدد، بل في أن هذين الجناحين معا يعكسان التعددية والتنوع في المجتمع التركي ويمكن لهما أن يواجها معا التحديات والمخاطر التي تواجهها تركيا داخليا وخارجيا، ولقد تبين من مجمل التطورات التي عرفتها تركيا في الأشهر الفاصلة بين الانتخابين أن حزبا بمفرده غير قادر على حكم البلاد التي دخلت مرحلة من التوتر والنزيف على مختلف الأصعدة وتحتاج لحكمة وبصيرة لمواجهتها وتعطيل مفاعيلها.