31 أكتوبر 2025

تسجيل

الانتخابات التونسية وتشكيل أول برلمان منذ ثورة 2011

24 أكتوبر 2014

يتوجه يوم الأحد 26 أكتوبر 2014، إلى صناديق الاقتراع في تونس، حوالي 5 ملايين و285 ألفا و136 تونسيا ، بينهم 359 ألفا و530 يقيمون في دول أجنبية، بحسب إحصائيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ، لانتخاب أول برلمان وحكومة دائمين منذ الإطاحة في 14 يناير2011، بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وتتنافس في الانتخابات 1327 قائمة (1230 قائمة داخل تونس و97 في الخارج) موزعة على 33 دائرة انتخابية (27 داخل تونس و6 في الخارج) بحسب إحصائيات «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات». وتضم القوائم الانتخابية نحو 13 ألف مرشح سيتنافسون على مقاعد «مجلس نواب الشعب» الذي سيمارس السلطة التشريعية لمدة 5 سنوات. ويضم المجلس 217 نائباً منهم 199 عن 27 دائرة انتخابية داخل تونس، و18 عن 6 دوائر خارج البلاد. وتضم القوائم الانتخابية أسماء نحو 13 ألف مرشح «على أساس مبدأ المناصفة بين النساء والرجال، وقاعدة التناوب بينهم داخل القائمة» الواحدة، وفق القانون الذي ستجرى على أساسه الانتخابات التشريعية، ثم الرئاسية المقررة في 23نوفمبرمن هذا العام. ويترأس رجال الغالبية الساحقة للقوائم الانتخابية ما يعني أنهم سيهيمنون على «مجلس نواب الشعب» الذي سينبثق عن الانتخابات التشريعية. ما يميز هذه الانتخابات التشريعية التونسية هو العودة السريعة للعديد من قيادات وكوادر «حزب التجمع الدستوري» المنحل بقرار قضائي في مارس 2011، وهو حزب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ، لواجهة الأحداث السياسية في تونس، وهي فكرة ربما لم تكن حتى لتخطر ببال أتباع الرئيس المخلوع نفسه. فقد عادت الماكينة الحزبية «للتجمعيين» تعمل بكل قوتها لمصلحة «حزب نداء تونس» الذي يرأسه السيد الباجي القائد السبسي رئيس الحكومة السابق، والعديد من الأحزاب الأخرى المنبثقة عن «حزب التجمع بنفسه، مثل «حزب المبادلاة» الذي يترأسه السيد كمال مرجان وزير الخارجية السابق في عهد بن علي، والحركة الدستورية التي يترأسها السيد حامد القروين رئيس الحكومة السابق في عهد بن علي أيضا. إنها عودة «حزب التجمع»القوية للحياة السياسية، من خلال حضور مسؤولي الرئيس المخلوع بن علي قويا خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة لأول مرة بعد الثورة. بينما في الانتخابات الماضية التي جرت يوم 23أكتوبر 2011، لم يشارك أي مسؤول من النظام السابق في الانتخابات بسبب منعهم بقانون مؤقت. وبعد إجهاض الثورة التونسية من قبل حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة، وظهور الجماعات الإرهابية متمثلة في تنظيم «أنصار الشريعة»، واستيطان إرهابها متزامنا مع فترة حكم «حركة النهضة» لتونس، حيث شهدت البلاد أخطر أحداث بعد الثورة مثل مهاجمة السفارة الأمريكية في14سبتمبر 2012، واغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية في 2013، وتدهور الاقتصاد وارتفاع منسوب التوتر الاجتماعي بسبب غلاء الأسعار وتفاقم البطالة، استغلت قيادات وكوادر وقاعدة «حزب التجمع » المنحل هذه الوضعية، ليفاخروا بإنجازات نظام بن علي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والأمني، ووجدوا ضالتهم في الانتماء بقوة إلى «حزب نداء تونس». ويُعتبر حزب «نداء تونس» الذي أسسه في 2012 رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي، أبرز حزب معارض لـ«حركة النهضة». وكان قايد السبسي ترأس بعد الثورة الحكومة الانتقالية التي قادت تونس حتى انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر2011. وسيخوض قايد السبسي (87 عاماً) الانتخابات الرئاسية المقررة في 23 نوفمبر2014. وبحسب نتائج استطلاعات الرأي، يحظى حزب«نداء تونس» بشعبية تتفوق في الوقت الحاضر على «حركة النهضة». ويُعتبر، كما «النهضة»، أيضاً بين الأحزاب الأوفر حظاً في الانتخابات. ويضم هذا الحزب منتمين سابقين من حزب «التجمع الدستوري الديموقراطي» الحاكم في عهد بن علي، ويساريين ونقابيين حشدهم قائد السبسي ضد «حركة النهضة». ويشكو الحزب من تجاذبات داخلية، ويخشى عدد من كوادره من أن تمارس شخصيات من نظام بن علي نفوذاً واسعاً. ويتنافس «نداء تونس» مع أحزاب أخرى تضم مسؤولين في النظام السابق مثل حزب «الحركة الدستورية». وتجرى الانتخابات التشريعية هذه في تونس، في فترة ما بعد الثورة، واستجابة لما فرضته مسيرة الفرز السياسي الذي واكب تطور نضال الشعب التونسي، خلال هذه المرحلة الصعبة و المعقدة من عملية الانتقال الديمقراطي ،إذ عاشت تونس في 2013، أزمة سياسية حادة، إثر اغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية، وقتل أكثر من 60 عنصرا في الجيش والشرطة في هجمات نسبتها الحكومة المؤقتة إلى جماعة «أنصار الشريعة في تونس» التي صنفتها تونس والولايات المتحدة تنظيماً «إرهابياً». وانتهت الأزمة بعد قبول حكومة «الترويكا» التي كانت تقودها «حركة النهضة» الإسلامية، تقديم استقالتها تطبيقاً لخارطة طريق طرحتها المركزية النقابية القوية. وحلت محل «الترويكا»، حكومة غير حزبية برئاسة مهدي جمعة، على أن تقود البلاد حتى إجراء انتخابات عامة . ولم تستطع القوى الديمقراطية التونسية أن تحدث نقلة نوعية حاسمة في موازين القوى العامة لمصلحتها في تونس، نظراً لأن القوى السياسية الفاعلة في عهد النظام الديكتاتوري السابق لا تزال ماسكة ومتحكمة بعناصر القوة المادية والسياسية في المجتمع والدولة. ورغم أنها فقدت إثر نجاح الثورة التونسية في 14 يناير/ جانفي 2011، في إسقاط النظام السابق، تعبيراتها السياسية القديمة ( التجمع الدستوري ) فإنها بعد فترة من الارتباك والتذبذب تتجه اليوم نحو حسم خيارها فيمن يحل محله سواء بالاصطفاف وراء حركة النهضة أو بإعادة تنظيم صفوف التجمعيين أو أيضا بعودة الوئام و التحالف بين النهضة والتجمعيين. فتجانس المصالح وتطابق الرؤى بينهما سيلعب دورا محددا في حسم الخلافات الجارية الآن بينهما والتي اتخذت في وقت من الأوقات طابعا عنيفا وحملات تشهير واسعة لا تزال متواصلة بأشكال عدة إلى غاية الانتخابات هذه. تتفق حركة النهضة وحلفاؤها من جهة وحزب «نداء تونس» (المنافس القوي لحركة النهضة، والذي يتزعمه السيد الباجي قائد السبسي، وأغلب مكونات « الأحزاب الدستورية» (الذي يضم الأحزاب الليبرالية في تونس) من جهة ثانية، على نموذج الاقتصاد الليبرالي، والانخراط في نظام العولمة الليبرالية من موقع الطرف التابع لمراكز النفوذ السياسية والاقتصادية الرأسمالية المؤثرة في العالم. غير أن هذا الاتفاق لا يمنع وجود صراعات بينهما الآن – ولفترة أخرى من الوقت – مدارها احتكار الحكم السياسي والنفوذ الاقتصادي والاجتماعي من جهة ونوعية النموذج القيمي الاجتماعي للحياة العامة الحضارية والثقافية للشعب التونسي. فكما هو معروف يتبنى حزب «نداء تونس» ومجمل القوى الليبرالية المتحالفة معه والتي يمكن أن تحذو حذوه نمطاً عصرانياً حداثياً للمجتمع يُكَرِّسُ مفهوماً خاصاً للحريات العامة والفردية على الطريقة الغربية بمضمونها البرجوازي الاستهلاكي والذي يبقى قابلاً للتكييف والتطويع ما بين الطابع الديمقراطي الليبرالي والشكل الاستبدادي حسب تقلب موازين القوى. بينما تعمل حركة النهضة وكل القوى المتغلفة بالدين وطائفة من الأحزاب المتحالفة معها والقريبة منها، علاوة على تمسكها بالخيارات الليبرالية المملاة من الدوائر الغربية الأوروبية و الأميركية، على فرض نموذج جديد على المجتمع التونسي يقوم على قيم محافظة ومتخلفة تجاوزها الزمن يريدون إحياءها وتفعيلها في العلاقات الاجتماعية العامة أساساً لاستبداد جديد باسم الدين. أما من الناحية السياسية فإن «الدساترة التجمعيين» الذين تمت إزاحتهم من الحكم يعملون اليوم بتسمياتهم المختلفة جاهدين من أجل استعادة الكرسي ويجري اليوم في أوساطهم سعي محموم إلى إعادة التشكل والانتظام من أجل العودة للحكم من جديد أو المشاركة فيه. بينما تعمل النهضة من أجل الاحتفاظ بالحكم بعد أن « تسللت » إليه عبر انتخابات 23 أكتوبر 2011. وتوصف «حركة النهضة» بأنها الحزب الأكثر انضباطاً في تونس التي تعاني أحزابها العلمانية المعارضة التشتت، لا سيما اليسارية منها. ويبلغ عدد المنضوين في «النهضة» نحو 80 ألفاً، حسبما أعلن زعيمها راشد الغنوشي في نيسان 2014. وركزت «حركة النهضة» حملتها للانتخابات التشريعية على «التوافق» الذي أمكن بفضله المصادقة (مطلع 2014) على دستور جديد للبلاد، وتجنيبها العنف والفوضى التي سقطت فيها دول شهدت حركات احتجاج شعبية. وتقول الحركة إن تونس لا يمكن أن تحكم على المدى القصير والمتوسط إلا بالتوافق بين الإسلاميين والعلمانيين. وخلافاً لانتخابات 2011، لم ترشح «حركة النهضة» للانتخابات التشريعية المنتظرة رموزاً من جناحها المتشدد الذي يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية. وتظهر الحملة الانتخابية مدى امتعاض الشارع التونسي من «حركة النهضة» بسبب تنامي الإرهاب في عهدها، وعجزها الواضح عن إدارة الحكم، والدولة، إضافة إلى الانهيار الاقتصادي والانفجار الاجتماعي الواسع الذي شهدته تونس. هل تشكل الانتخابات التونسية يوم الأحد المقبل، ولادة أول برلمان منذ ثورة 2011، سيعمل على بناء أول نظام ديمقراطي تعددي يقوم على حكم المؤسسات، ويعمق استمرار التحول الديمقراطي والاستثنائي في دول «الربيع العربي» التي سقطت في الفوضى والقمع، حيث تعيش ليبيا المجاورة، واليمن، اقتتالاً بين فصائل متناحرة، وسوريا حرباً أهلية، بينما استعاد الجيش السلطة في مصر؟