18 سبتمبر 2025

تسجيل

المساواة بين النظرية والتطبيق

24 أكتوبر 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ورد في صحيح الإمام البخاري عن عائشة: أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب قال «يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطع محمد يدها» في وضوح تام وصراحة لا تقبل التأويل يقرر نبي الهدى صلى الله عليه وسلم أنه لا أحد فوق القانون، وأن القانون يطبق على الجميع لا فرق بين شريفهم ووضيعهم ولا عظيمهم وصغيرهم، حتى وإن كان السارق بنت الحاكم نفسه صلى الله عليه وسلم وحاشاها. وقد أوضح الخليفة الأول من أول يوم في خلافته أن الناس جميعًا أمام القانون سواء، فكان مما أكد على نهجه في الحكم كما جاء فى مصنف عبد الرزاق: يا أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن ضعفت فقوموني وإن أحسنت فأعينوني، الصدق أمانة والكذب خيانة، الضعيف فيكم القوي عندي حتى أزيح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم . وقد كتب عمر بن الخطاب في التذكير بأصل مبدأ المساواة بين الناس في القضاء إلى قاضيه أبي موسى الأشعري، جاء فيه :هذا كتاب عمر إلى أبي موسى ــ رضي الله عنه ــ أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، افهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع كلمة حق لا نفاذ له، آس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك. ومما كتبه أيضًا للناس: اجعلوا الناس عندكم في الحق سواء قريبهم كبعيدهم وبعيدهم كقريبهم، وإياكم والرشا والحكم بالهوى، وأن تأخذوا الناس عند الغضب . ولم تكن هذه المبادئ بمنأى عن حياة الناس، أو شعارات يتلهى بها المغلوبون على أمرهم، فلم يكن التنظير بمعزل عن التطبيق ولا تجد دنيا الناس في ممارسة مبدأ المساواة أمام القانون أعظم مما سطرته صحائف القضاء فى تراثنا الإسلامي. يقول الشعبي كما يروي البيهقي في السنن الكبرى : كان بين عمر بن الخطاب وبين أبي بن كعب ــ رضي الله عنه ــ تدارى في شيء، وادّعى أبّي على عمر، فأنكر ذلك، فجعلا بينهما زيد بن ثابت، فأتياه، فلما دخلا عليه، قال له عمر: أتيناك للحكم بيننا، وفي بيته يؤتى الحكم، فوسع له زيد عن صدر فراشه، فقال: ها هنا يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: لقد جُرْت في الفتيا، ولكن أجلس مع خصمي، فجلسا بين يديه فادّعى أُبّي، وأنكر عمر، فقال زيد لأبي: اعفُ أمير المؤمنين من اليمين، وما كنت لأسألها لأحد غيره، فحلف عمر ــ رضي الله عنه ــ. ثم أقسم: لا يدرك زيد بن ثابت القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء . ولا يخفى ما كان من قضائه لابن القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن العاص حاكم مصر، وإجرائه المساواة لأبعد حدود مما يعد لدى غير المسلمين أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. لقد أصّل الخلفاء الراشدون لمبدأ وقاعدة المساواة أمام القانون حتى إن كتب الآثار تروي أن علي بن أبى طالب اختصم إلى شريح القاضي في درع له وجدها مع نصراني وقال: اقض بيني وبينه يا شريح. فقال شريح: تقول يا أمير المؤمنين. فقال علي: هذه درعي ذهبت مني منذ زمان. فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ فقال النصراني: ما أكذب أمير المؤمنين الدرع هي درعي. فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده. فهل من بينة؟ فقال علي: صدق شريح. فقال النصراني: أما أنا أشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، هي والله يا أمير المؤمنين درعك. اتبعتك من الجيش، وقد زالت عن جملك الأورق، فأخذتها. فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال علي: أما إذ أسلمت فهي لك وحمله على فرس عتيق. فقال الشعبي: لقد رأيته يقاتل المشركين. إنه لاعبرة لقول قائل، ولا حجة في قوله أمام القضاء إلا بالبينة والدلائل حتى ولو كان صاحب هذا الادعاء هو حاكم المسلمين وخليفتهم لأن المبدأ يسري على الجميع والجميع أمام القانون سواء.