29 أكتوبر 2025

تسجيل

القذافي شهيد!

24 أكتوبر 2011

أتأمل الأحداث ذاهلة، أتفرج على الكرسي العزيز جدا على القلب، الغالي جدا جدا على الروح، الأثير وما يوازي حبه لا أهل ولا وطن، أتأمل الكرسي وما يفعل! أتابع دورة الأيام وقد غيرها المعز المذل، وقد أضحى أصحاب الألقاب ينادون بأخس الأسماء، أتأمل أصحاب الكراسي من حكامنا العرب، وقد تغيرت الأحوال من الأبهة إلى الحضيض، ومن العظمة إلى الذلة، ومن القصور إلى التخشيبة، ومن التعظيم والتوقير إلى المهانة والإهانة، ومن أصحاب الفخامة إلى أصحاب السوابق! أستعيد الصورة، أتأمل الذي وجدوه مختبئاً في حفرة بمزرعة بعيدة ليعتقلوه منكوش الشعر، متسخ الأردية، يمعنون في إهانته بتفتيش شعره وأسنانه على نحو مزر، ثم ليشنقوه صباح أول أيام العيد في إيحاء مؤلم لم يخف على لبيب! وأتأمل الذي فر بجلده قبل أن يقع بأيدي ثوار الياسمين متخفيا بليل طائرته في السماء هائمة تستجدي من يستضيفه! وأتأمل ذلك الذي وجدوه بحفرة مجاري مختبئاً بعد أبهة السلطة، والحرس (الحريمي) الخاص، والتشريفة التي تسبقه مع خيمته حيثما رحل وارتحل ليسحلوه بالشوارع وهو ينزف إلى أن يستقبل رصاصات تنهي حياته الحافلة بحكايات أغرب زعيم عربي لم تزل خزانة أسراره مغلقة لم نعرف منها إلا اليسير! وأتأمل ذلك المحبوس حبسا مترفا ينتقل إلى قاعة المحكمة ومنها بطائرة خاصة رغم أنه قتل مصر، وضيع شعبها، وأشاع وأولاده، والمقربون، من حاشيته فساداً مفزعاً علمنا منه ما علمنا وقد يكون المخفي أعظم، تتوالى صورهم، وأتأمل كل حاكم على حدة بتاريخ سقوطه المدوي في نشر العدل والحياة الكريمة، فأجد أنهم كانوا جميعا نسخا مكررة للحاكم الذي عشق (الكرسي) بسلطته، وصولجانه، وسطوته، وهيلمانه، وأوامر قهره، واستعباده، وجبروته، الذي كان عصا غليظة يُساق بها القطيع، الذي يؤمر فيطيع، ويُذل فيرفع عقيرته بمدائح الولاء والطاعة رغم نزف القلب والعينين، وبدل المبخرة يرفع من الخوف مبخرتين، إلى أن جاء ثوار قتلوا الخوف، وذبحوا الرعب! أتأمل الذين نصب كل واحد منهم نفسه واحدا لا شريك له، مكانه فوق القانون، ومكانته فوق المساءلة حتى جاء الحساب بأسرع مما تصوروا على النحو الذي لم يتصوروا! أتابع الأحداث، والصور تتكلم، تحكي عن حكام رفعت الوضيع، وأهانت الشريف، جرمت النزيه وأعلت من شأن الحرامي، قربت المداحين والمنافقين، وقهرت الشرفاء، أتأمل ثلة تعامت عامدة عن البناء، انشغلت بتضخيم ثرواتها، وجمع كل ما تصل إليه اليد من منافع ببركات (الكرسي) وشغلت شعوبها بإلهائها مرة بالكورة، ومرة بقنوات تغسل الدماغ بالرقص والهجص، ومرة برضاعة الكبير وفرقعات غريبة، ومرات بالدوران في ساقية البحث اليومي المضني عن رزق العيال! يدور الشريط أمامي والقذافي يزيح عن وجهه الدم مذهولا من هول المفاجأة، والثوار يشبعونه بإهانات لم يكن يتصورها (ملك الملوك) كما أطلق على نفسه لينتهي الحال إلى ما آل إليه، ولتتوالي التعليقات، أغربها على الإطلاق أن يقول شيخ الطريقة العزمية بأن القذافي مات شهيداً، ليرد عليه الشيخ محمد أبو عجيلة من ليبيا مستنكراً هذا الشرف على العقيد، مستشهداً بأن القذافي هو الذي قال علينا بأن محمداً لا يملك الشفاعة حتى لنفسه، وأنه ساعي بريد، وأن الكعبة آخر أصنام الإسلام، وأن حركة الإخوان هي حركة الخوان، وأنه الذي قتل 1265 سجينا دفعة واحدة، ودفنهم في حفرة في جريمة من أكبر جرائمه! تعليقات غريبة تضع المرء في أقصى درجات الدهشة والبعض يصنف القذافي شهيداً بينما الشعب الليبي يقيم في كل دار فرحا انتظره عقوداً خلاصاً من (الطاغية)! مصادفة غريبة أن تعيش شعوب كثيرة تحت نير هذا الظلم والاستبداد لعقود طويلة ولا تستفيق إلا الآن ليتوالى السحل، والشنق، والسجن، ومتابعة الذين قتلوا شعوبهم، السؤال هل تستحق الشعوب العربية ما عانته لأنها عاشت دهراً شيطانا أخرس يأكل لسانه ولا يتكلم رغم القهر والظلم خوفا من عصا البطش؟ أم أننا شعوب عاشت بالترهيب والكرباج مغلوبة على أمرها وعندما فاض كيلها فاض نهرها ليتحول سيلاً وطوفانا يغرق رموز قهرها؟ قد لا تكون الإجابات مهمة والأوراق تتساقط وقد غدا الحكم للشعب، والكلمة للشعب، والاختيار للشعب، لكن يظل من الأهمية بمكان الا تكرر الشعوب نفس الأخطاء، وأن تبدأ التصحيح الحقيقي بصندوق الاقتراع لتكون النتيجة انتخابات نزيهة وشفافة، ولتختفي للأبد بنتيجة 99.9% التي كانت تشي بالتزوير الساحق، وعلى الشعوب أن تعي أننا في وقت من لم يكن فيه ذئباً كان من الغنم.