07 أكتوبر 2025

تسجيل

لماذا نشتكي؟

24 سبتمبر 2020

ألم تتساءل يوماً لماذا نشتكي؟ لا شك أن مثل هذا التساؤل صال وجال ببالك في وقت من الأوقات، وربما وجدت الإجابة أو جملة إجابات، ومن المحتمل أن يكون العكس قد حدث، وما زلت في طريق البحث عن تلك الاجابات، التي ستتعدد إن طرحنا هذا السؤال عليك أو على غيرك من الناس، باعتبار اختلاف الأمزجة والأذواق والأفهام والعقليات. أحدهم قد يجيبك بأن الشكوى سببها ظلم واقع، وآخر ربما يشير إلى أن السبب يكمن في الطبيعة البشرية، وحب الناس غالباً إلى الفضفضة حين تجتمع النفوس معاً، أو لمجرد الفضفضة دون انتظار حل معين. ومن الناس من سيقول لك بأن الشكاوى والتذمرات، مرجعها إلى القوانين البشرية حولك وفي أي مجال تكون، وهي التي تدفعك إلى تلك السلوكيات أو سلوك التذمر والشكوى والتأفف، وهكذا تتنوع الإجابات بحسب عقلية ونفسية ومزاج من تسأله. حاول يوماً على سبيل التجربة، أن تلعب دور من يفتح صدره للآخرين من أجل الفضفضة ليست أكثر، ثم لاحظ أو حاول أن تدون ما ستسمعه منهم، ستجد الموظف مثلاً يشكو مديره، والمدير رئيسه، والولد أباه، والبنت أمها، والزوج زوجته أو العكس، والطالب معلمه، والخادمة سيدتها، والأخ أخاه، والوزير رئيسه، والرئيس زعيمه، والزعيم نظراءه ! وهكذا حتى يأتيك إنسان لا يشكو غيره، فتقول في نفسك: هذا هو الإنسان المثالي، وإذا به يشكو نفسه أو مركبته أو طعامه أو ملابسه، وأحياناً الطقس وربما يصل أحياناً إلى قرينه من الجن!. القلب البشري حين يفرغ من الرضا، ويقف عقله عاجزاً عن فهم قوانين الحياة الدنيا لأي سبب من الأسباب، ولا يستوعب قوانين وطبيعة الحياة الآخرة، فلا شك أنه سيدخل دوائر فوضوية فراغية شتى، منها دائرة التذمر والشكوى التي ما أن يدخلها حتى يتوه داخلها، لا يخرج منها سريعاً، ما لم يطلب الهداية من الله ليصل إلى مستوى الرضا القلبي لأقداره وأقدار ما حوله، فيصل بالتالي إلى الفهم العقلي الصحيح لسنن وقوانين هذا الكون الهائل. حياتنا ابتلاءات واختبارات كل ما يحدث لنا، من خير أو شر، إنما هو نوع من الابتلاء والاختبار وإن بدرجات متنوعة متفاوتة، لأننا في الأصل نعيش حياة اختبار لأجل حياة خلود واستقرار، وما التذمر أو الشكوى، إلا أحد ردود الأفعال منا تجاه الابتلاءات والاختبارات، والتي على إثرها تتحدد الدرجات التي نستحقها في الحياة الآخرة. لكن ألم تلاحظ حين تنهال عليك مشكلات وهموم أو مخاوف دنيوية متنوعة، تجد نفسك بشكل تلقائي تردد من أعماق قلبك قائلاً: حسبي الله ونعم الوكيل؟ لا شك عندي أنك تقولها تلقائياً، بغض النظر عن درجة ايمانك وتقواك وورعك. إنك في تلك اللحظات الحاسمة الصادقة الخالصة، تعلنها صريحة واضحة بحسب الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، أنك في مأزق حقيقي، وأنه لا ملجأ لك ولا منجاة من الله إلا إليه سبحانه، لا أحد سواه. تقول حسبي الله، أي أن الله هو الكافي وهو المانع وهو الحافظ. إنه سبحانه من سيكفيك ما أهمّك وأتعبك، وسيخرجك من المأزق الذي أنت فيه، وسيهديك صراطاً مستقيماً، ويفرج عنك. لاحظ أن كل تلك المعاني تتجمع في قولتك حسبي الله ونعم الوكيل. ومن توكل على الله في كل أعماله وخطواته، فهو حسبه. لكن هناك في الوقت ذاته، من ينسون في خضم المآزق والملمات والمشكلات تلكم العبارات الإيمانية، بل وسرعان ما يبدأ اليأس يدب بالقلوب ويسيطر على النفوس. فتجد نفوساً تقترب نحو الانهيار، فيما أخرى تكون قد انهارت فعلاً. حين تكون بيئتك مصدر اليأس والإحباط اليأس مشكلة كثيرين، وتكون المشكلة أكبر وأعمق تأثيراً حين تتحول البيئة المحيطة أحياناً إلى عامل تثبيط وهدم، وتساعد على الإحباط واليأس. لا تعين على تحفيز الهمم ولا يجد المرء عوناً ودافعاً على الاستمرار، أو يجد عامل استثارة للجانب الإيماني فيه. هذا كله إن توفر وحدث، فإنه لا يجب أن يدعو إلى اليأس مطلقاً، لأن الأصل في مثل تلكم الظروف أن ينشط الإنسان أكثر فأكثر في السير نحو الله واللجوء إليه، والتوكل عليه والفرار إليه، وليس الفرار منه أو اللجوء إلى غيره والركون إلى اللا شيء، بانتظار حدوث أي شيء. ماذا تريدني أن أفعل؟ حاول بعد التوكل على الله والاستعانة به في أوقات الأزمات وعظائم المشكلات، أن تكون أنت من يدعم نفسه ويشجعها على المضي قدماً في طريق الأنبياء والمرسلين والعظام من البشر، أولئك الذين كان الإقدام وعدم الركون إلى الفشل والاستسلام، منهجهم وشعارهم في الحياة، فلو أن كل أولئك استسلموا ورفعوا راية اليأس، لما كان هناك دين أو فكرة جميلة أو اختراع طيب. لنتخذ من كلمات الحبيب المصطفى - عليه الصلاة والسلام - نبراساً لنا في هذه الحياة، ونستوعب ما كان يدعو بها قائلاً: "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، حتى يقول: وأسألك الرضا بعد القضاء، ويبين لنا - عليه الصلاة والسلام - في موضع آخر بأن: "من سعادة المرء استخارته ربه، ورضاه بما قدّر، ومن شقاوة المرء تركه الاستخارة، وسخطه بعد القضاء". وهذا هو لب الحديث. [email protected]