13 سبتمبر 2025

تسجيل

توازن التهديد أم توازن القوى؟

24 سبتمبر 2018

 لو كان المنطق السائد في علاقات دول الشرق الأوسط هو توازن القوى لكان الأجدى بدولة مثل السعودية ألا تتحالف مع إسرائيل تحت أي ظرف، فالأخيرة هي سبب رئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة واحتلالها ما زال جاثما على صدور الشعب الفلسطيني وسياساتها ستلحق ضررا بالغا بالمصالح السعودية في قادم الأيام. أسوق ذلك وأنا أقرأ بعمق ما كتبه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، الجنرال يعقوب عميدرور في مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي عن نقطتين مركزيتين في الفكر السعودي الجديد. الأولى تتعلق بانطباع الإسرائيليين بأن السعودية تنظر لبلدهم بوصفها قوة عظمى ينبغي التقارب والتعاون معها. فإسرائيل بهذا المعنى هي الطريق إلى قلب واشنطن. والركيزة الثاني مرتبطة بتصورات السعوديين عن مصادر التهديد، وهنا طبعا الاشارة واضحة إلى ما تشكله إيران من تهديد للسعودية وبخاصة بعد أن حققت ايران انتصارات متتالية ضد السياسة السعودية وبعد أن بات واضحا للقاصي والداني أنه ليس بوسع السعودية التصدي لإيران بمفردها. هنا يفترض قادة الكيان الصهيوني بأن السعودية تشارك إسرائيل العداء لإيران وبالتالي ووفقا لقاعدة عدو عدوي هو صديقي تصبح إسرائيل بقدرة قادر البلسم الشافي لعجز السعودية عن التصدي للسياسة الإيرانية في المنطقة. وربما يشعر الإسرائيليون بزهو بعد أن تنامت العلاقات الإسرائيلية السعودية التي ربما نشهد منها فقط قمة جبل الجليد. يشير الجانب الإسرائيلي إلى شرط وحيد للسعودية يتمثل بضرورة التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين. واللافت أن السعودية هي من أقنعت الجانب العربي بتبني مبادرة السلام العربية غير أن إسرائيل لم تلتقطها ورفضت مجرد التعامل معها. ولا يمكن توقع قبول إسرائيل بأي شرط سعودي خاصة أن السعودية تشعر بأنها بحاجة إلى تعاون وتنسيق مع إسرائيل أكثر من حاجة الأخيرة للسعودية. وإذا كانت هنالك فجوة في موقف البلدين بخصوص شكل الحل بشكله النهائي فإن الأصل ألا تتقارب السعودية مع إسرائيل لأن الأخيرة تستغل ضعف السعودية وحاجتها لإسرائيل لتمرير صفقة تصفية قضية فلسطين. وفي نفس السياق يمكن الإشارة إلى نوع من الاندلاق السعودي تجاه إسرائيل، وإذا كان الجنرال أنور عشقي يمثل الموقف الرسمي السعودي – الكثيرون يعتقدون ذلك – فإن زياراته المتكررة والعلنية تنذر بأن السعودية مستعدة لترسيخ التقارب بصرف النظر عما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين.  فالسعودية لم تعد تنظر للقضية الفلسطينية كقضية مركزية، وهي غادرت مربع الدول الحريصة على تمكين الفلسطينيين من إقامة دولة مستقلة. وباتت خشيتها من إيران كابوساً يقض مضجع وليّ العهد السعودي ما يدفع إلى الهرولة باتجاه تل أبيب المتربصة لإضعاف العمق العربي. فإسرائيل لا تخشى إيران بقدر خشيتها من موقف عربي موحد يضع استعادة الأرض المفقودة هدفا لا يعلو عليه شيء. لكن أيضا تشعر إسرائيل بأن التهديد الإيراني هدية ثمينة لأنها ستقبض ثمنا لذلك من بعض الدول العربية التي تخشى إيران ولا تملك مقومات التصدي، ناهيك عن الرغبة في القيام بذلك. طبعا، هناك من يشكك في التقارير التي تكتب بمراكز الأبحاث الإسرائيلية وكأنها تهدف إلى شق الصف العربي وكأن هناك صفا عربيا موحدا يسعى لتحقيق هدف واحد. بيد أن السعودية لم تعد تلك الدولة التي تحركها موازين القوى وانما تدفعها موازين التهديد والخوف من إيران. لا يمكن أخذ ذلك على السعودية التي تبحث عن الدفاع عن مصالحها كما تراها النخب الحاكمة في الرياض لكن المقلق أنها في معاداتها لإيران واقترابها من إسرائيل هي كالمستجير من الرمضاء بالنار.