12 سبتمبر 2025
تسجيلالفقيد يستحق لقب عميد الأثريين القطريين وهيئة متاحف قطر مطالبة بتكريمه وتخليد ذكراه وإسهاماته الوطنية لم يكن محمد جاسم محمد الخيفي (1957 -2016) سوى أحد أبناء قطر المخلصين والبررة والأوفياء لهذا لوطن، حيث تفانى في عمله وأعطى الكثير من أجل الارتقاء بمتاحف قطر وبخاصة متحف قطر الوطني الذي تأسس سنة 1975 م في عهد حضرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني حاكم قطر الأسبق (1972 - 1995)، ذلك العهد الزاهر لمتحفنا الوطني الذي لعب الخليفي فيه دورا مهما في بنائه بجانب زملائه لمواكبة التطور في مجال شؤون الآثار . رحل عنا بالأمس محمد جاسم الخليفي وهو لم يكمل سن الستين، وكان همه متاحفنا الوطنية ويمتلك الكثير من الأفكار والتطلعات للارتقاء بها، إلا أن المرض لم يمهله طويلا حيث عانى كثيرا من أحد الأمراض المزمنة الذي داهمه وهو في سن الشباب فصبر على ما كتبه الله عليه حتى فارق هذه الدنيا قبل أيام بعد رحلة طويلة من العطاء لهذه الأرض التي أحبته فأحبها طوال حياته، والتي ستبقى تتذكر آثاره الباقية ومؤلفاته العلمية الرصينة في مجال الآثار والمتاحف، فهو من القطريين الأوائل الذين اقتحموا مجال " المتاحف والآثار " مع المرحوم – بإذن الله تعالى – جاسم زيني (1942 - 2012)، وكان الخليفي أحد أعلامها بعد تخرجه في جامعة القاهرة في نهاية سبعينيات القرن الماضي . ترك لنا الخليفي ثروة ثقافية مهمة، فهو يمتلك مكتبة تراثية لا تقدر بثمن، كما قام بتأليف بعض الكتب التي ما زالت شاهدة على عصره وعلمه الغزير من خلال اهتمامه بهذا المجال الذي هجره الكثير من الباحثين والدارسين، فكان – رحمه الله – لا يهدأ له بال عندما يعزم على إتمام أحد هذه المشاريع البحثية، سواء كان في مجال تأليف الكتب أو في مجال ترميم الآثار في ربوع قطر، وهكذا كان ديدنه أثناء تأديته لرسالته في هذه الحياة . ولعل أبرز إنجازات الفقيد: كتابه الموسوعي " العمارة التقليدية في قطر " وصدر في عدة طبعات (باللغتين العربية والإنجليزية)، وهو ما زال من المصادر المهمة في مجال العمارة في قطر (ونال عليه جائزة منظمة العواصم والمدن الإسلامية)، كما صدرت له بعض المؤلفات الأخرى مثل: المواقع الأثرية في قطر، هندسة بناء القصر القديم، آثار الزبارة ومروب . وكذلك أشرف على إصدار بعض المنشورات والمطويات الصغيرة عن : متحف قطر الوطني، ومتحف الخور الإقليمي، ومتحف الزبارة الإقليمي، ومتحف قلعة الدوحة، ومتحف الوكرة الإقليمي، ومتحف التقاليد الشعبية، ومتحف قلعة الكوت، ومتحف السلاح . والفقيد من مواليد مدينة الدوحة سنة 1957 م، وقد حصل على شهادة الثانوية العامة / أدبي سنة 1975 م، وهو حاصل على درجة الليسانس في الآثار والفنون الإسلامية من جامعة القاهرة المصرية سنة 1979 م (يقال التحق بالمتحف الوطني قبل تخرجه في الجامعة سنة 1977 م)، كما حصل على المرتبة الأولى للتأليف المعماري من منظمة العواصم والمدن السلامية في أنقرة التركية، سنة 1993 م، كما حصل في نفس العام على دبلوم اللغة الإنجليزية . وقد عين في بداية مشوار التحاقه بالمتاحف في وظيفة مساعد رئيس قسم الآثار سنة 1979 م، ثم مراقبا لشؤون المتاحف والآثار سنة 1980 م، ثم مديرا لإدارة المتاحف والآثار سنة 1994 م حتى عام 2001 م وذلك بعد جاسم زيني، وعمل معهما في نفس الفترة السيد أحمد السليطي مديرا للشؤون الإدارية والمالية، وكان الاسم السابق لتأسيس " إدارة المتاحف والآثار هو " إدارة السياحة والآثار " . كما شغل الفقيد الخليفي منصب خبير في التراث بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث وعضو مجلس إدارته في عام 2002 م . يذكر أن متحف قطر الوطني مر عليه عدة مديرين منذ تأسيسه سنة 1975 م وحتى الآن، وهم على النحو الآتي : * الدكتور درويش الفار (1975 - 1991) وهو حائز جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الجيولوجية عن سنة 1964 من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وهو من مواليد سنة 1925 م، وما زال يعيش في قطر متعه الله بالصحة والعافية . * الدكتور خالد يوسف الملا (1991 - 1993) الذي التحق بالمتحف 1976 في وزارة الإعلام، وهو أول مدير قطري للمتحف الوطني، ثم انتقل مديرا لإدارة الشباب 1993 في الهيئة العامة للشباب والرياضة . وهو حاصل على درجة الدكتوراه، ويشغل اليوم المدير العام لمركز قطر للتراث والهوية . * الشيخة آمنة بنت عبدالعزيز بن جاسم بن حمد آل ثاني، منذ سنة 2012 م حيث كانت مديرا بالإنابة، ثم مديرا للمتحف سنة 2013 م وحتى الآن . وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة " كارنيجي ميلون " مع تخصص فرعي في اللغة الإنجليزية، كما حصلت على درجة الماجستير في علم الاجتماع من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية . وقبل انضمامها لهيئة متاحف قطر عملت في بعض المناصب القيادية في القطاع المصرفي، وهي عضو في مجلس الشرق الأوسط لمجموعة التعليم العالمي . وهي مهتمة للغاية بشكل وتصميم متحف قطر الوطني ومقتنياته الأثرية والتاريخية لكونه يعبر عن مشاعر الفخر والاعتزاز بعادات وتقاليد الشعب القطري . * وشغل السيد إبراهيم جابر جاسم الجابر منصب أمين متحف قطر الوطني (1993 - 1998)، وجاء من بعده عدد من القيادات القطرية الأخرى مثل : مريم الملا، وعبدالله مفتاح، وفرج دهام، وناصر يوسف الحمادي . وشغل السيد محمد بو هندي آل بو هندي منصب رئيس القسم البحري بمتحف قطر الوطني . بينما عمل سعيد بن سالم البديد المناعي كمشرف عام على المراكب التقليدية المعروضة ببحيرة متحف قطر الوطني وعمل معه مجموعة من الرعيل الأول من الآباء والأجداد لصيانة هذه السفن بشكل دوري ومنهم على سبيل المثال (يعقوب الماس وهلال النعيمي ويوسف المالكي وشخص من عائلة المسلماني وآخر من عائلة السويدي وغيرهم من الرعيل الأول) . وقد كان للخليفي العديد من المشاركات في الندوات والمؤتمرات المحلية والخارجية، كما عمل في عضوية الكثير من اللجان الفنية والمتخصصة في الآثار والمتاحف على مستوى العالم العربي، ونال كذلك الكثير من الأوسمة والجوائز المحلية والإقليمية، كما كان أحد أعضاء جائزة منظمة المدن العربية الرابعة سنة 1993 م، وكذلك عضو اللجنة الفنية لمشروع صناعة السدو في قطر بنفس العام، وعمل أيضا في الإشراف العام على أعمال الترميم التي قامت بها إدارة المتاحف والآثار مثل : - قلعة مروب (1982) - قلعة الزبارة (1083) - قلعة أركيات (1988) - قلعة الوجبة (1990) - موقع مدينة الزبارة الأثري (1982 - 1984) - مسجد الوكرة القديم (1984) - بيت الخليفي (1984) . وساهم كذلك في وضع قانون الآثار لدول ومجلس التعاون الخليجي مع مجموعة من زملائه في هذه الدول، وكذلك من ضمن الفريق الذي أقر التكريم بمعرض الآثار الخليجي، وذلك منذ تسعينيات القرن الماضي . خالطت الفقيد الراحل - شخصيا – في العمل معه لأول مرة عام 2009 م عندما عملت بجانبه مع ثلة من الباحثين والمهتمين بالتراث البحري في دولة قطر، وذلك من خلال عملنا في " لجنة مهرجان قطر البحري " التي كانت ترأسها الشيخة هنادي بنت ناصر بن خالد آل ثاني وبرعاية واهتمام من قبل صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، حيث عمل معنا في هذه اللجنة بجانب محمد الخليفي كل من: راشد البن علي، وحمد حمدان المهندي، وحسن أحمد الحسن المهندي، ومحمد سعيد البلوشي، والدكتورة كلثم الغانم .. وغيرهم . والفقيد الراحل محمد جاسم الخليفي شقيق كل من: اللواء / سعد، وعلي، وعبدالله، ومبارك . وله من الأبناء: جاسم وعبدالله . وفي الختام يبقى دور " هيئة متاحف قطر " في القيام بتكريم هذه الشخصية الوطنية التي سخرت جهدها ووقتها لأجل رفعة هذا الوطن، وشاركت بشكل فعال وملموس في رسم خارطة علمية لمتاحفنا الوطنية على مدى العقود الأربعة الماضية . ** كلمة أخيرة : رحمك الله يا (أبو جاسم) فقد أعطيت الكثير لوطنك، وستبقى إنجازاتك خالدة في ذاكرة متاحف قطر بشكل عام، ومتحف قطر الوطني على وجه الخصوص .