02 نوفمبر 2025
تسجيلنحن في الذكرى المئوية لأكثر من اتفاقية رسَّمت حدود المنطقة والكيانات وأسست أكثر من مشكلة. في عام 1916 كانت اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا وروسيا. انسحاب روسيا من الاتفاقية وكشْفها لها ترك المنطقة بين براثن القوتين العظميين حينها. في العام التالي كان وعد بلفور الذي سيترك فلسطين ضحية لأعتى حملة استيطان لأرض عربية هي فلسطين.وفي عام 1918 انهارت الدولة العثمانية وكان مؤتمر باريس وسان ريمو في العام التالي الذي أنهى رسميا حقبة العثمانيين.ومن بعد ذلك حفلت عشرينيات القرن العشرين بأكبر عدد من المؤتمرات الدولية والاتفاقيات المتعددة الطرف أو الثنائية والتي كانت ترسم خطوط الحدود لتركة الدولة العثمانية.ظهرت سوريا والعراق والأردن ولبنان الكبير. أما تركيا، بقية الدولة العلية، فقد كان لها حصة الأسد من الاتفاقيات على امتداد أكثر من عشرين سنة.لم ترسم حدود تركيا دفعة واحدة ولا بطريقة واحدة. تارة حصل ذلك عن طريق القوة ولاسيَّما ضد اليونانيين، وتارة بالمفاوضات.ولم يكن رسم الحدود يتم على أسس طبيعية ومنطقية. كانت تلتقي المصالح الاقتصادية والعوامل الأمنية. وكانت تتقدم أحيانا الموروثات التاريخية والمنطلقات الإيديولوجية إحياء لأمس غابر وحضارات سادت لكنها ما لبثت أن بادت.ولذلك نجد أن كل طرف كان ينظر إلى الحدود كما لو أنها حدود مؤقتة في انتظار ظروف ومستجدات توفر له الفرصة لوضع اليد على ما يعتقد أنه حق له اغتصب منه في غفلة من الزمن.لذلك نجد أن مشكلة الحدود، في الشرق الأوسط تحديدا، مشكلة مزمنة تؤثر على التطور الطبيعي للشعوب وتشكل عقبة أمام تطورها.ليس من مثال أفضل على ذلك من مسألة احتلال العراق للكويت في عام 1990 ومن ثم حرب تحرير الكويت. وكلا الحدثين كان مدمرا على الكويت ومن ثم على العراق وقبل هاتين الدولتين على كل المنطقة العربية.وبعد الغزو الأمريكي للعراق كان الحدث الأكبر هو تقسيم العراق في خطوة أولى لتغيير حدود سايكس بيكو وإن كان ضمن الدولة الواحدة. ومن ثم كانت حروب "الربيع العربي" التي لم تبق حجرا على حجر في سوريا واليمن والعراق وليبيا. وعادت وفقا لها النزعات الدينية والمذهبية والمناطقية تمهيدا لتقسيم هذه الكيانات.والتقسيم ليس بالضرورة أن يكون جغرافيا الذي في النهاية سيكون كذلك. لكن التقسيم الإثني والمذهبي هو خطوة لا بد منها للتحضير وبالتالي قبول التقسيم الجغرافي.التقسيم في العراق على أساس إثني وظهور الفيدرالية الكردية كان تتويجا لمسار طويل من الدفع بالحقوق الكردية في اتجاه أن تكون ذات طابع سياسي وأبعاد إقليمية ودولية. فيما لو تركت مطالب الأكراد تأخذ طريقها الطبيعي ضمن توافقات داخلية لما حصل كل هذا التشرذم في وحدة البلاد الجغرافية.اليوم تطرح حلول فيدرالية للقضية السورية سواء للأكراد أو للتركمان أو على أساس مذهبي، علوي وسنّي ودرزي ومسيحي. ربما أحد أسباب إطالة الحرب السورية هو استكمال تحقيق الظروف لتقسيم لا يشكل صدمة لأحد. وهو لا شك مطلب إسرائيلي بامتياز لأن علة وجود إسرائيل وقوتها هو تفكيك الكيانات المحيطة بها مهما كانت صغيرة وغير قابلة للتقسيم أكثر.كانت الحرب الأهلية في لبنان بين 1975 و1989 تجربة على ذلك. نجحت إسرائيل في طرد القوة العسكرية الفلسطينية من لبنان إلى تونس. لكن الانقسام النفسي بين اللبنانيين كان شرطا ليتقوقع كل مكون على نفسه في غيتوات جغرافية تكاد تكون كيانات حكم ذاتي.اليوم مع الأخطار الكبيرة التي تحيق بسوريا كما بالعراق، فإن المخاطر لن تقف هنا.في تركيا كلام كثير حول أن الخطة الأمريكية للمنطقة الشرق أوسطية تلحظ تقسيما لتركيا بعد سوريا.من هنا تأتي ضرورة أن يدرك قادة دول المنطقة أهمية هذه المخاطر ومَن وراءها وتحديد العدو من الصديق لتكون خطوة أولى حتى لا تتكرر ذكريات الذكرى المئوية لاتفاقات التقسيم التي طالت كل المنطقة بما فيها تركيا.