03 نوفمبر 2025
تسجيلحينما يقبل العبد على ربه للتعبد؛ سواء كان ذلك في الصلاة أو الصيام أو الزكاة فلا بد أن يستكشف نفسه وينظر إلى ما يناسبه من الناحية النفسية، حتى يحقق أعلى درجات الراحة والاستمتاع بتلك العبادة.وكذلك الأمر بالنسبة لفريضة الحج، وهو من الشعائر التعبدية التي تجعل الإنسان في مواجهة مع نفسه وطبيعته، وتجرده من كل متع الدنيا وزخارفها حتى يعيد استكشاف ذاته دون التفات لمظاهر الحياة وزخارفها، ولا ينفع معها أن يرتدي الإنسان جلباب غيره في طريقة إقامة تلك الشريعةوإنما عليه أن يلبس جلبابه الذاتي النفسي الذي يناسبه وحده دون غيره من البشر.كل إنسان في علاقته مع الله عز وجل له طريقة تعبدية معينة لا بد أن يسعى الإنسان إلى استبصارها في نفسه حتى يحقق أعلى درجات التواصل مع الله عز وجل، ويقترب ذلك الإنسان إلى ربه حبا فيه لا خوفا منه فقط، فمثلا قد يناسب بعض الناس صيام التطوع ويزيد تقربه إلى ربه بينما ينهك الصيام آخرين ويعطلهم عن أداء الواجبات والفروض. هناك من الناس من يناسبه قيام الليل في حين أن بعض الناس يقعدهم قيام الليل عن أداء صلاة الفجر في جماعة ويصيبه بالكسل طيلة النهار، ولذلك لابد أن يستكشف الإنسان نفسه في العبادات التطوعية ويجرب أكثر من نوع ولا حرج بأن يتمسك بالعبادة التي تناسب شخصيته مع الحفاظ على الواجبات والفرائض، شريطة أن ينوع في تلك العبادة ولا يحولها إلى عادة قد تمل منها نفسه ولذلك نلاحظ في السفر والمرض بأن الإنسان يأجر في إتيانه الرخص، لأن الله عز وجل جعل التنويع والتغير حتى في الفرائض بابا لزيادة المتعة، وهذا التغيير الذي يشوق الإنسان للقيام بفروضه بهمة ونشاط، فمن باب أولى أن ينوع ويغير في السنن والرواتب. في بعض حملات الحج قد تجد صاحب النفس القصير في العبادة وذلك الإنسان يناسبه البقاء ضمن المجموعة حتى يجد من يحثه على العبادة ويقويه عليها دون إجباره على ذلك، وفي المقابل قد تجد من يحب التعبد لوحده وله نفس طويل في قيام الليل وأداء أركان الحج والوقوف بعرفة ساعات للدعاء دون كلل أو ملل، فذلك النوع من الناس لا يناسبه أن يخرج في مجموعة لأنها ربما تعطله عن المقصد الذي ذهب للحج من أجله وتعيق استمتاعه الذي راح ينشده.الشاهد في تلك الأمور أن الإنسان عندما يستبصر رغباته سيستمتع بعبادته أكثر ويحقق أعلى مراتب النشوة في ملكوت الله عز وجل لأن العبادة توافقت مع طبيعته وشخصيته،بعض الناس لا يناسبه الزحام في الحج فإذا كان قد أدى فريضته سابقا فالأفضل أن لا يعاود الحج وإنما يكتفي بالعمرة في فترة الشتاء عندما تكون الأزمة أقل، حتى لا يصير لديه ارتباط شرطي بين التعب والإرهاق والزحام وعبادة في الحج. وأقول بأنه لولا التنوع في العبادات وفي اختلاف ميول الناس لحج البيت الحرام أضعاف ما يحجه من الناس كل سنة، ولو أن كل الناس أحب قيام الليل لما وجدنا آخرين يحبون الصدقات ويمنحوها الفقراء ومثل ذلك، فنجد من الناس من يحب الصدقات ومن يحب العمرة ومن يحب الحج ومن يحب مساعدة الناس وهكذا، وكلها عبادات تقرب العبد إلى ربه وتساعد في خدمة المجتمع.كما يجب أن ينوع الإنسان متعته التي استمتع فيها حتى لا ترتبط تلك العبادة بالملل وإنما يفعلها ويقطعها ويعود إليها يدفعه إليها الشوق، ويصرفه عنها الشوق.لابد أن ندرك نمطية العلاقة التي تربطنا بالله عز وجل حتى لا تصير المعصية أو التقصير بسبب الخوف منه فقط وإنما الخجل منه والشوق إلى تلك العبادة، حتى ترحم ذلك الإنسان من عبأ المعصية والتقصير. كلما ارتفعت قيمتك عند ذاتك ارتفعت قيمة ورقي ما تفعله، فيأتي احترامك لأعمالك تبعا لاحترامك لذاتك فلا تفعل إلا ما يليق برقي نفسك ورفعتها، حيث تصير أفعالك انعكاسا لما أنت عليه أصلا. حينما يؤدي الحاج فريضته على ذلك النحو الذي أسلفنا مستبصرا ذاته مدركا جوانب شخصيته ومحققا أقصى درجات الاستمتاع تأتي فرحة العيد. والفرح حاجة نفسية ملحة، ولكنها قد لا تتحقق لبعض الناس في العيد لأنه لم يحسن إدارة ذلك العيد، فبعض الشعائر التي يفعلها الإنسان خلال العيد مثل الاستيقاظ مبكرا وذبح الأضحية يعكر مزاجه، وأقول هنا قد يستمر في نومه ويوكل الذبح لغيره حتي لا يصبح العيد بالنسبة إليه هما وهاجسا، أو لعله يحاول قبل العيد التدرج في الاستيقاظ باكرا ثم يشهد الذبح دون أن يقوم به نفسه، وفي المقابل قد نجد من يحقق أعلى درجات التمتع بالذبح وتوزيع الأضحية، فالإنسان يزاحم أحزانه بالأفراح شريطة أن يحسن إدارتها حتى لا يضيف حزنا على حزن دون أن يشعر.استشعار عظمة الله عز وجل تأتي من استشعار الإنسان للذة العبادة في كنفه وقد لا يتحقق ذلك الأمر إلا باستشعار الإنسان لذاته ومحاكاة ما يناسبه من عبادات تقربه إلى الله عز وجل، وتمكنه من لذة العبادة في الدنيا، ولذة النظر إلى وجهه الكريم في الآخرة.