18 سبتمبر 2025
تسجيلالمفارقات أصبحت سمة أساسية في عالم اليوم السياسي.. إنه مسرح كبير، الدخول إليه مجانا، والدعوة فيه مفتوحة.. قناة الجزيرة واحدة من اللاعبين الأساسيين في مسرح السياسة الدولية، فالإعلام ووسائله الفاعلة مثل الجزيرة والسي إن إن والبي بي سي وموقع ويكيليكس كلها اللاعب المؤثر.. نحن في عالمنا الثالث نعتز بوجود لاعب من بني جلدتنا في ذلك المسرح مثل قناة الجزيرة، مهما اختلفنا حولها.. نموذج الثورات العربية في ليبيا ومصر يؤكد الدور المفصلي الذي قامت به قناة الجزيرة، وربما أصابت الحيرة النظام المصري السابق؛ كيف أن دولة مثل قطر استطاعت أن تساهم بفعالية عبر الجزيرة في إحداث تغيير (دراماتيكي) في مصر. كان النقل المباشر على مدار الساعة لأحداث ميدان التحرير وقودا حيويا للتحريض الإيجابي على الثورة، وليس النقل فحسب وإنما كانت طريقة المعالجة والشعارات المطروحة بين ثنايا برامجها ونشراتها تدفع بقوة نحو التغيير. ففي الوقت الذي كانت تركز فيه قنوات أخرى مثل (العربية) على صور (التخريب) واستخدام مصطلح (البلطجية) على المتظاهرين كانت (الجزيرة) تركز على صور القتلى والجرحى في المستشفيات.. لا أدري إن كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كان يعني ما يقول عندما قال قبل يومين في الأمم المتحدة إن الشعوب العربية خرجت فيما يعرف بربيع الثورات العربية ليس لأجل الهتاف ضد أوروبا أو أمريكا أو إسرائيل!!، لأن هذا خلاف ما نقلته (الجزيرة) وهو أن الشعوب العربية لفظت الأنظمة التي تعاملت مع إسرائيل واستكانت لأمريكا وسياستها الداعمة لإسرائيل. لقد أظهرت (الجزيرة) قطر باعتبارها الدولة الأبرز سياسيا من بين دول المنطقة العربية على الأقل.. إن المتابع لأحداث المنطقة عبر (الجزيرة) يتفق معي في هذه القناعة.. بمعالجات إخبارية ذكية حققت (الجزيرة) لقطر الكثير من الاحترام والتقدير.. يقول محلل سياسي إن قطر لن تتخلى عن (الجزيرة) إلا إذا تخلت سويسرا عن بنوكها.. إن عبقرية الاستثمار في (الجزيرة) ليس في وفرة المال وإنما في ضع المال في موضعه الصحيح.. كم من الدول الغنية التي لا تحس بها أو تسمع لها ركزا؟! هذه القناة بدأت بـ 100 مليون دولار ومشاهدوها بلغوا 50 مليونا.. الحديث عن (الجزيرة) كثير ومثير.. إنها حالة بحثية جديرة بالتأمل والاعتبار. إن التأثير القوي لقناة الجزيرة جلب لها الكثير من المتاعب ولم يكن تفكير الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في ضربها آخر تلك المتاعب، ولكن شظايا موقع ويكيليكس حاولت إصابة هذه القناة قبل عدة أسابيع بنثر اتهامات استخباراتية هنا وهناك.. لكن السؤال هل موقع ويكيليكس نبت شيطاني؟ أم صنيعة أمريكية لتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة في العلاقات الدولية بغرض إعادة ترتيبها وفقا لرؤية أمريكية معروفة؟. ويكيليكس لعبة ذكية لعبتها واشنطن، فلا بأس من نشر وثائق قد تبدو سرية وذات أهمية تدعي الإدارة الأمريكية أنها شعرت بالحرج من نشرها.. السبب هو محاولة إسباغ مصداقية لهذا الموقع ثم من بعد يبدأ عمله لخلق الفوضى.. هذا ما يبدو وليس الأمر مستبعدا لمن يدرك كيف يفكر العقل الاستخباراتي والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية.. ما يؤكد الشكوك حول ويكيليكس ما أعلنه من قبل المساعد السابق لمؤسس الموقع دانيال دومشيت برغ، أنه دمر أكثر من (3500) وثيقة لم تنشر، وكانت تضم اللائحة الكاملة للأماكن التي تمنع الإدارة الأمريكية التحليق فوقها، وخمسة جيجا بايت من وثائق تخص "بنك أوف أمريكا"، إضافة إلى معلومات مفصّلة عن أكثر من (20) مجموعة تابعة للنازيين الجدد!! سبق أن تولى هذا الموقع نشر وتسريب معلومات تقول إن الرئيس السوداني عمر البشير اختلس مبالغ تصل إلى (9) مليارات دولار من أموال الدولة وإيداعها في حسابات أجنبية!! وقال الموقع إن الجزء الأكبر من هذه المبالغ قد يكون أودع في بنوك بالعاصمة البريطانية لندن!!. العقوبات الدولية على السودان منذ أكثر من عقدين تجعل من المستحيل فتح حسابات للدولة أو مسؤوليها في البنوك الغربية وهذا ما حدا ببنك ورد لويدز بالقول إنه "ليس لدينا دليل البتة على وجود علاقة بين مجموعة مصارف لويدز والبشير. ومضى البنك يقول إن سياسة المجموعة هي التقيد بالالتزامات القانونية والتنظيمية في جميع مناحي عملنا".