21 نوفمبر 2025

تسجيل

عندما نستهزئ بالآخرين

24 أغسطس 2016

تعني السخرية الاحتقار بالغير، خصوصاً عندما نذكر عيوبهم ونقائصهم، فهذا هو المعنى الأساسي للسخرية وقد تكون عن طريق المحاكاة والتقليد في الفعل والقول، فقد يسخر الموظف من زميله لكونه لا يتقن العمل مثله، أو سخرية المعلم بزميله لكونه أقل تأهيلاً منه، أو الطبيب بزميله الطبيب لأنه لم يتخصص مثله أو لأنه لا يجيد التشخيص جيدا أو لأن شعبيته وشهرته أقل منه، كما أن البعض يسخر من الآخرين بسبب لونهم أو جنسيتهم أو لأنهم بسطاء وفقراء لا يملكون شيئاً، فيشمتون فيهم ويحتقرونهم بالنظرة الدونية، وقد يسخر الرجل الغني من الفقير، ويسخر القوي من الضعيف، والرجل السوي من الذي يعاني من عاهة معينة، وقد يسخر الذكي الماهر أو ذو الأولاد من العقيم، وذو العصبية من اليتيم، وقد تسخر الجميلة من القبيحة، والشابة من العجوز، كما يسخر البعض من الآخرين حين يصيبهم بلاء، وهنا يقول الله سبحانه وتعالى "لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خير من هن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون"، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يُلقِي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاَ، فقد يحتقر الشخص قريبه أو زميله أو جاره أو يحتقر بلدا كاملا بشعبه وبما فيه، بأن يقول مثلا الشعب الفلاني كذا، أو البلد الفلاني كذا، ويظل يسخر ويهزأ بهم، فيكون بذلك قد ظلمهم، فيحبط عمله ويرتكب ذنبا، ويقول عليه الصلاة والسلام: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، حين قال لا تغتابوا المسلمين ولا تؤذوهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته"، وحين قالت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "يا رسول الله حسبك من صفية أنها كذا وكذا، تقصد أنها قصيرة"، فقط بحكم غيرة النساء، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجت بماء البحر لمزجته"، والبعض يسكت على هذا الاستهزاء ليس لأنه راض عن هذه السخرية، ولكنه ربما أنه غير راض من داخله أو لا يريد الخوض في هذا النقاش، لأنك قد تزيد في الكيل عليه بالسخرية والاستهزاء، أو لأنه يحترمك فلا يريد أن يرد على سخريتك، أو لأنه يعرف بأن الرد سوف يكون أقوى فلزم الصمت، وأهم بواعث التحقير والتقليل من شأن الغير هو التكبر، ولقد روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، فمن أسباب احتقار الآخرين هي الأسرة نفسها، فقد يكون شأنها احتقار الآخرين والاعتداء على حرماتهم أو الاغترار بالنعمة، والأسباب كثيرة ففي الشدة يقاس الصبر، وفي النقاش يقاس العقل، وفي المواقف يقاس البشر، فهنيئا لمن يحرص ألا يظلم أحداً، ولا يغتاب أحداً، ولا يجرح أحداً، ولا يرى نفسه فوق أحد. أخيراً الطيور تأكل النمل وعندما تموت فإن النمل يأكلها والظروف قد تتغير فلا تقلل من شأن أحد، وعلينا الشعور بالآخرين لأنه حاسة سادسة لا يمتلكها إلا أنقياء القلوب، ولا تحتقر غيرك فقد يكون عند الله أفضل منك.