13 سبتمبر 2025
تسجيلالمنطق السياسي بات معدوما كليا في العالم العربي، وما تتسم به الأحداث السياسية هو اللامنطق واللامعقول في رصد مجريات الأحداث وارتباطاتها وتداعياتها. ولم يعد هناك ما يمكن استغرابه في مصر أو سوريا أو لبنان أو العراق أو غيرها، ولا في بناء تحالفات جديدة وموت تحالفات أخرى.. ثورات وثورات مضادة ودول تتفكك وشعوب تحترق بيد جيشها وعساكرها. ويبلغ الأسى مداه حين تتساءل ما لو وقعت حرب بين العرب وإسرائيل، وهو أمر مستبعد إن لم يكن مستحيلا في ظل النظم القائمة حاليا، هل ستقدر إسرائيل على أن تفعل بالشعوب العربية أكثر مما تفعل جيوش هذه الدول بشعوبها؟ الآلاف يسقطون في رابعة العدوية، ودول عربية تدعم وتساند وتتهم الضحية بالإرهاب، وترى أن اقتلاعه من الجذور أمر ضروري لبقاء الدولة والشعب في مصر. في الغوطتين السورية، آلاف الأطفال والنساء والرجال يسقطون بغازات سامة، الحكومة تنفي والمعارضة تؤكد، والثابت أن المئات ماتوا اختناقا بغازات سامة. والمصيبة أن هناك من لا يصدق أن مجازر حصلت في مصر وأخرى تحصل في سوريا، وأن قتلا وقع في لبنان أودى بحياة العشرات بين قتيل وجريح وأن العراق يحصد شهريا ما يربو على ألف قتيل. ويذهب موت الضمير أو بلادته عند البعض، وما أكثرهم اليوم، إلى أن يقول إن ما يحكى عن مجازر ليس سوى فبركات إعلامية للتحريض على هذا النظام أو ذاك ولسلب الشعب إرادته الحرة. أو يقول: ما يصيب هؤلاء وأولئك هو أمر يستحقونه، فهؤلاء جماعات إرهابية تعرقل التحول في العالم العربي، ومن واجب الدولة سحقها، وقد فوض الشعب الجيش في ذلك، ولأول مرة نسمع أن شعباً يفوض جيشه على قتل جزء منه واستئصاله بلا رحمة. لا تسأل عن المجازر وما إذا كانت ستستمر، وكم ستحصد في قادم الأيام، فلم بعد السؤال أمرا مهما ولم يعد لجوابه قيمة أو اعتبار لأن الضمير بدأ يموت فينا. ولم يعد عند أغلب وسائل الإعلام العربي ضمير، وأضحت جزءا من السلاح المستعمل في قتل الخصم وإلغائه والقضاء عليه دون شفقة أو رحمة، وبات الإعلام العربي أشبه بجوبلز وزير الإعلام في نظام هتلر. ويكفي أن تستمع لعشر دقائق فقط إلى أي قناة إعلامية رسمية في بلد عربي يعاني اضطرابات أو ثورات لتكشف أي دور يلعبه الإعلام في معركة القتل والسحل. "الضمير" كلمة ملغاة في سياسات المجتمع الدولي الذي تحكمه المصالح، والسياسة الدولية لا تحكمها المبادئ ولا تعرف الأخلاق، وألفاظ "الشجب" و"التنديد" مفردات غير موجودة في قواميس السياسيين،لأنه لا معنى لها على أرض الواقع، وهي تستعمل للتنصل من المسؤولية بأسلوب مهذب. موت الضمير لم يعد سمة خاصة بالنظم العربية الحريصة على قمع شعوبها وسحقها وإلصاق تهم الإرهاب به، السلاح الأمضى والأكثر فعالية في الحروب التي تشن على الشعوب. ولم يعد متفشياً في أوساط النخب الثقافية والفنية فحسب. موت الضمير بدأ يدب في شرائح المجتمعات العربية نفسها، ويكفي أن تكون منتميا لجهة سياسية ما أو متعاطفا معها لتبرر لها ممارسة كل وسائل القتل والإلغاء والتشفي. ماذا تقول حين تسمع ناشطا حقوقيا أو عالم دين يبرر للجيش فض اعتصام رابعة بالقوة، ولو قتل الآلاف، بحجة تهديد الأمن القومي؟ أو حين ترى مواطنا بسيطا يقف إلى جانب نظام نافياً أي صفة إجرامية عما يقوم به في قمع شعبه رغم السوابق التاريخية له في هذا المجال، وحين تضيق عليه الحيل في نفي عمليات الإجرام وممارساتها، فإنه لا يتردد في تقديم التبرير والأعذار، وتحميل الضحية المسؤولية: لماذا يخرجون عليه؟ ومن الذي ذهب بهم إلى هناك؟ ثم بعد ذلك نسأل: كيف يمكن لسياسي أو إعلامي أو حتى مواطن يبرر القتل والسحل للآلاف من الناس؟ موت الضمير بات حقيقة في مجتمعنا العربي، بل أضحى مرضاً معدياً ينتشر عبر الهواء الملوث برائحة البارود والدم، وهو ينتقل من شريحة مجتمعية إلى أخرى، ولا يعلم إلا الله ما الذي ينتظرنا جميعا بعد أن يلفظ الضمير أنفاسه الأخيرة في دنيا العرب؟.