12 سبتمبر 2025
تسجيلحروب ونزاعات وأزمات عديدة تحدث في مناطق مختلفة من العالم والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تتعامل وسائل الإعلام مع هذه الأحداث والثورات وهل يحصل القارئ والمشاهد والمستمع على الحقيقة وعلى الأسباب والتداعيات والنتائج؟ هل تصله المعلومة التي يحتاجها لفهم الخلفيات والأبعاد والمضامين، أم أن الأمر يبقى عبارة عن فبركة وصناعة متقنة من أجل التضليل والتزييف لتشكيل رأيا عاما وفق ما يريده الساسة وأباطرة المال والأعمال وتجار الحروب. تعامل وسائل الإعلام المختلفة مع الربيع العربي ومؤخرا مع ما يحدث في مصر يثير عدة تساؤلات ويطرح عدة قضايا جوهرية تتعلق بتسييس الأحداث والقضايا وقراءتها وفق معطيات تصب في أجندة وأيديولوجية المؤسسة الإعلامية على حساب الحقيقة والرسالة النبيلة لمهنة الصحافة. فالتغطية المختلفة والمتضاربة والمتناقضة لنفس الحدث من قبل مؤسسات إعلامية مختلفة في الرؤية والاتجاه والأيديولوجية توحي للجمهور وكأن الأمر يتعلق بأزمات وأحداث مختلفة وليس نفس الأزمة ونفس الحدث. تغنى وما زال الكثير من المختصين والباحثين والمنظرين في شؤون الصحافة والإعلام أن الصحافة هي السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث في المجتمع: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية. ومنهم من رأى أن الصحافة هي بارومتر الديمقراطية وهي منبر الفقراء والمساكين والضعفاء ومن لا حول ولا قوة لهم، وهي الوسيلة الإستراتيجية للكشف عن الحقيقة واستقصاء الواقع حتى سماها الأمريكيون بـ"كلب الحراسة"، لكن واقع القرن الحادي والعشرين وواقع الحرب على الإرهاب يقولان إن الصحافة تحوّلت من السلطة الرابعة إلى وسيلة لتزييف الواقع وتضليل الوعي وفبركة الأحداث والوقائع وفق ما تمليه عليها قوى المال والأعمال والسياسة. فوسائل الإعلام اليوم، في عصر الفضائيات والإنترنت والمجتمع الرقمي، أصبحت تكيّف الأحداث والوقائع وفق القوى التي تتحكم في النظام، سواء كان ذلك النظام محليا أو عالميا. لقد كشفت الحرب على العراق الأخطاء والهفوات والتجاوزات الخطيرة التي وقعت فيها وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم حيث إنها انساقت وراء أقوال وأراء أباطرة السياسة وتجار الأسلحة والحروب دون أن تتجرأ وتستقصي الواقع وتحاول أن تكشف عن الأساطير والأكاذيب وغيرها من آليات التضليل والتزييف التي تستعملها كبريات وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية. فإذا أخذنا أحداث 11 سبتمبر كمثال نلاحظ التزييف والتضليل والتسييس للأحداث بآليات وتقنيات مختلفة ليس من أجل تقديم الحقيقة وإنما بهدف استغلال الحدث لتوجيه الرأي العام في الاتجاه الذي يخدم السلطة السياسية والمالية للنظام. تركت أحداث 11 سبتمبر والحرب على العراق انعكاساتها وبصماتها على جميع مجالات الحياة ليس في الولايات المتحدة فقط وإنما في جميع أنحاء العالم. فبعد مرور أكثر من عشر سنوات على ضرب رمز القوة الأمريكية في نيويورك وواشنطن وضرب أكبر قوة في العالم في عقر دارها وبعد عشرات الآلاف من المقالات والتقارير والدراسات والبرامج الحوارية والسياسية في المؤسسات الإعلامية المختلفة وعبر جميع أنحاء العالم، نتساءل عن الثمن الغالي الذي دفعته الصحافة والمضايقات والتجاوزات التي تعرضت لها من جهة، ومن جهة أخرى الانحرافات التي اُرتكبت في حق الكلمة الصادقة والأداء الإعلامي الموضوعي والهادف من أجل تزويد الرأي العام بالحقائق والمعلومات والمعطيات. فالخاسر الأول من أحداث 11 سبتمبر والنزاعات الدولية والحروب هي الكلمة الصادقة والممارسة الإعلامية وحرية لصحافة خاصة في الدول التي اشتهرت بتقاليد حرية الفكر والرأي والتعبير، تلك الدول التي بنت الديمقراطية على أكتاف الصحافة الحرة، القوية والفعالة. لكن ما حدث في التعامل مع وقائع 11 سبتمبر والحرب على العراق إعلاميا كشف أن وسائل الإعلام خانت رسالتها ولم تفلح في أن تنصف جمهورها وأن تنصف الرأي العام سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي لمعرفة حقيقة الحدث وخلفياته وأبعاده، وأهدافه. هل استطاعت وسائل الإعلام أن تزيح الالتباس والغموض والتضليل والتشويه والصور النمطية وتقدم الواقع كما هو؟ أم أنها تسارعت وتفننت في فبركة هذا الواقع، واقع 11 سبتمبر وفق أهوائها وأهدافها ومصالحها ضاربة عرض الحائط أدبيات الموضوعية والالتزام والنزاهة وتقديم الحقائق كما هي لا غير. الصحفي تيسير علوني سُجن في إسبانيا دون محاكمة نزيهة ودون أدلة تذكر، وهناك المئات من الصحفيين قُتلوا بحثا عن الحقيقة والمبرر هو محاربة الإرهاب والأمن القومي وإلى غير ذلك من أدبيات أباطرة الرقابة والتسلط والتفنن في التعتيم والتكميم. هكذا إذن، لم تصبح هناك فروق بين الدول السلطوية والدول التي تدعي الديمقراطية وحرية الفكر والرأي والتعبير وحقوق الإنسان. فأمريكا صاحبة "التعديل الأول" والبلد الذي يقدس حرية الصحافة ضربت عرض الحائط ما بنته خلال ما يقارب ثلاث قرون وأصبحت توّجه الأوامر لرؤساء التحرير وتتدخل في افتتاحيات المؤسسات الإعلامية مثلها مثل أي دولة سلطوية أو دكتاتورية في العالم الثالث. أسالت أحداث 11 سبتمبر الكثير من الأحبار وأفرزت اهتماما إعلاميا لا مثيل له في مختلف أنحاء العالم، فتهافتت المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها وأشكالها ومشاربها الأيديولوجية والسياسية لتقديم الأخبار والتعاليق والبرامج التحليلية والدراسات حول الأزمة وأبعادها وخلفياتها وتداعياتها. والسؤال المثير للجدل والنقاش والدراسة من قبل الأكاديميين والسياسيين والمهتمين هو كيف تعامل الإعلام مع حادثة 11 سبتمبر؟ هل طرح كل الأسئلة التي خطرت وتخطر ببال الفضوليين من القراء والمستمعين والمشاهدين؟ هل اهتمت وسائل الإعلام بمعرفة لماذا تم الاعتداء على أمريكا دون غيرها؟ ومن ضرب أمريكا؟ وما هي الخلفيات والأبعاد؟ هل تساءلت وسائل الإعلام عن كيف كان بن لادن بطلا في الثمانينيات وحليفا استراتيجيا لأمريكا في محاربة الاتحاد السوفييتي والشيوعية وكيف أصبح بعد انتهاء المهمة العدو اللدود لأمريكا؟ كيف كان بطلا وأصبح إرهابيا؟ ومن الذي صنع بن لادن؟ ما هي علاقة ما حدث بما يجري في العالم من استغلال وظلم وبطش واستغلال وابتزاز في العلاقات الاقتصادية والدولية؟ ماذا عن الإرهاب الذي تمارسه العديد من الدول؟ وما هو الإرهاب في المقام الأول؟هل تساءلت وسائل الإعلام الأمريكية عن عشرات الآلاف من الشباب العرب المسلمين الذين جندتهم وكالة المخابرات الأمريكية للجهاد في أفغانستان ضد العدو الشيوعي؟ هل تساءلت عن سجن المئات بل الآلاف في غوانتانمو دون محاكمة وبدون وجه حق؟ أصبح الإعلام في القرن الحادي والعشرين صناعة تفبرك الواقع أكثر مما تشرحه وتفسره وتقدمه كما هو للرأي العام. الإعلام في عصر المجتمع الرقمي أصبح قوة تقرأ الواقع وتفسره وفق القوى المالية والسياسية التي تتحكم فيه. تعتبر عملية إخفاء الحقيقة الدرجة العليا من الجريمة ومن الإرهاب وأن تزوير الواقع وتشويهه والتلاعب بعقول الجماهير لإرضاء حفنة صغيرة جدا من تجار الأسلحة والحروب يفوق في خطورته أكبر الأعمال الإجرامية والإرهابية، فالضمير المهني الإعلامي مطالب باستعمال المهنية والحرفية والأخلاق والالتزام من أجل التفاهم والتواصل والمحبة الوئام والتكامل بين الأجناس والأعراق والشعوب والأمم وحتى يصبح الإعلام مصدرا لنشر القيم الإنسانية والمحبة والأمن والآمان والرفاهية والرخاء في جميع أنحاء العالم، وليس مصدرا ومنبرا لإشعال نار الفتنة والحروب والجرائم والحقد والكراهية والبغضاء والعنصرية لحساب حفنة من أباطرة السياسة والمال وتجار الحروب.