17 سبتمبر 2025

تسجيل

هل تطور سوق رأس المال في قطر؟

24 يوليو 2016

كتبت في أواخر سبتمبر 2012 مقالًا بعنوان"لماذا تهتم قطر بتطوير سوق رأس المال لديها"، وكان ذلك على هامش انعقاد مؤتمر نظمه مصرف قطر المركزي بالتعاون مع وزارة التخطيط التنموي، وبمشاركة من صندوق النقد الدولي. وقد كان الهدف تحديدًا السعي إلى تطوير أسواق السندات والصكوك المحلية، باعتبار أن أسواق الأسهم قد سبقت إلى ذلك منذ فترة ليست بالقصيرة، وقد حدد المؤتمر المقصود بتطوير سوق رأس المال على أنه حث الشركات والمؤسسات الكبيرة مثل بروة والكهرباء والماء وأوريدو وكافة البنوك وشركات التأمين وصناعات وناقلات وقطر للبترول، وقطر غاز، ورأس غاز وغيرها، على إصدار سندات أو صكوك بالريال القطري في السوق المحلي بدلًا من الذهاب إلى الأسواق العالمية لإصدارها بالدولار والعملات الأجنبية الأخرى. ويتم بعد ذلك تداول هذه السندات والصكوك في بورصة قطر، بحيث يتم شراؤها من جانب المستثمرين الذين لديهم فوائض مالية سواء كانوا قطريين أم أجانب، وسواء كانوا بنوكا أو شركات. فإذا وصلنا إلى هذه المرحلة تكون سوق رأس المال قد تطورت وأصبحت أداة فاعلة في التطوير التنموي الذي تنشده رؤية قطر 2030. وقد أشرت في مقال عام 2012 إلى أن إصدار سندات أو صكوك محلية هو من متطلبات الاستقرار المالي التي أفرزتها الأزمة المالية العالمية قبل سنوات، والتي ترتب عليها وضع ضوابط قوية على عمليات البنوك وعلى مراكزها، وتصنيفاتها المالية تُعرف باسم قواعد بازل 3. وبدلًا من قيام البنوك بإقراض شركة ما 5 مليارات ريال على سبيل المثال، فإنها تقوم بشراء إصدارات أو صكوك منها بنفس القيمة. وبذلك تحصل الشركة على المال اللازم بتكلفة أقل، ولآجال ومدد أطول قد تصل إلى عشر سنوات أو أكثر، وفي الوقت ذاته يكون البنك أو مشتري السندات والصكوك في وضع أفضل حيث يتم تصنيف قيمة السندات والصكوك لديه على أنها استثمارات وليست قروضا مباشرة. كما يكون بإمكان البنك استرداد كل أو جزء قيمة السندات أو الصكوك في أي وقت، عن طريق طرحها للبيع في البورصة دون انتظار لحلول أجل الاستحقاق، وقد يحقق البنك من وراء البيع أرباحًا مالية إذا ما كان هناك إقبال على السندات والصكوك وارتفعت أسعارها في فترة ما قبل الاستحقاق. ويوفر تطوير سوق رأس المال ميزة بناء منحنى عائد على السندات والأذونات، بحيث تكون هناك شفافية ومعرفة تامة بمستويات العائد في أي وقت، وهو ما يساعد على اتخاذ القرارات الاستثمارية والمالية بشكل جيد. كما يوفر إصدار الصكوك أداة جيدة لإدارة السيولة في البنوك الإسلامية، عن طريق الاستخدام الأمثل للفوائض المالية لديها، وتنظيم العلاقة بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية.على أن الأمور لم تتحرك في الاتجاه المطلوب بعد ذلك، واقتصرت تداولات بورصة قطر في السنوات التالية على كميات محدودة من الأذونات والسندات الحكومية التي سبق أن أصدرها مصرف قطر المركزي نيابة عن وزارة المالية. وهذه الأدوات لم تكن بحاجة ماسة إلى سوق رأسمال كي يتم تداولها، إذ إنها غالبًا ما تكون مملوكة من جانب البنوك، وهي تستطيع خصمها لدى مصرف قطر المركزي أو الاقتراض بضمانها إذا احتاجت إلى سيولة طارئة. وبمتابعة البيانات الصادرة عن بورصة قطر بهذا الخصوص نجد أن حجم التداولات قد بلغت 6.75 مليار ريال في عام 2015 مقارنة بـ5.98 مليار ريال في عام 2014 و5.49 مليار ريال في عام 2013. وهذه المبالغ تشكل نسبة ضئيلة من تداولات الأسهم في تلك السنوات والتي بلغت على التوالي: 93.7 مليار ريال في عام 2015، و199.3 مليار ريال في عام 2014 و74.9 مليار ريال في عام 2013.وقد كانت الشركات القطرية بحاجة ماسة إلى السيولة خلال العام الأخير، في فترة انخفاض أسعار النفط، وهي قد اتجهت إما إلى الإصدارات الخارجية بالدولار الأمريكي في الأسواق العالمية، أو إلى زيادة رؤوس أموالها في السوق المحلي، ولم تتمكن أي شركة من إصدار سندات أو صكوك لها محليًا بالريال القطري. وبذلك يمكن القول إن سوق رأس المال في قطر لم يتطور على النحو الذي انعقد من أجله مؤتمر تطوير رأس المال في سبتمبر 2012، فما هي المعوقات التي حالت دون حدوث ذلك، وهل هناك من إمكانية للتطوير في المستقبل المنظور؟ ولماذا لا ينعقد مؤتمر ثان لبحث الموضوع على ضوء الخبرات التي تراكمت بهذا الخصوص. ويمكنني القول بشكل مبدئي إنه كانت هنالك فرصة مثالية للتطوير في السنوات 2013 - 2015، عندما ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات عالية وكانت هنالك فوائض مالية كبيرة في الحساب الجاري لميزان المدفوعات، وفي الموازنة العامة للدولة.من جهة أخرى نجد أن قيم أي تداولات للسندات والصكوك والأذونات يتم إضافتها إلى تداولات الأسهم، في شاشة التداول، بما يخلق حالة من التوتر عند المتعاملين في سوق الأسهم، كما حدث في الأسبوع الماضي، وبحيث يتطلب الأمر بعض الوقت حتى يتم اكتشاف أن الأمر لا علاقة له بتداولات الأسهم. ورغم أن هناك بعض التنبيهات يتم وضعها على الشاشة عن وجود تداولات خاصة بسوق الأذونات أو السندات، إلا أن ذلك لا يكفي، ويجب في تقديري فصل تلك التداولات في شاشات مستقلة عن تداولات الأسهم.