الموسيقار عبدالعزيز ناصر في سجل الخالدين والمبدعين العرب

فنان مرهف عرف معنى الاحترام فاحترمه الجميع، وكما عرف معنى الفن فأصبح للفن معنى، وكان قامة فنية لم ولن تنكسر. إن فقدناك ليس فجيعة عابرة نتجرعها بل قشعريرة عميقة تجتاحنا. لن نتعافى منها بسهولة ورحمك الله يا صانع الدهشة والبهجة والمتعة!. نال وسام مجلس التعاون الخليجي وجائزة الدولة التقديرية، وندعو المسؤولين لإطلاق اسمه على أحد الشوارع ونقترح إيجاد جائزة ثقافية تحمل اسمه.الكبار لا يغادرون، بل يرحلون بأجسادهم وتظل إبداعاتهم ورسومهم باقية، أو كما يقول المثل الشعبي القطري الأصيل: "تفنى الجسوم وتبقى الرسوم". وبالأمس غادرنا إلى الدار الآخرة الموسيقار القطري الكبير عبدالعزيز ناصر (1952 - 2016) الذي عاش وترعرع في "حي الجسرة" بمدينة الدوحة، وخلد لنا وللأجيال القادمة أعظم الألحان الرائعة في حب قطر وفلسطين والبوسنة والعراق ولبنان وغيرها، كما خلد لنا أجمل الأغاني الوطنية والعاطفية والإنسانية والتراثية والدينية وأغاني الأطفال التي ستخلد اسم عبدالعزيز ناصر للأبد، كواحد من المبدعين الكبار على مستوى العالم العربي إن لم يكن على المستوى العالمي -عليه رحمة الله-، ولكونه أيضا واحدا من أعمدة الثقافة والإبداع في قطر خلال الـ 50 سنة الماضية.ـ(1)لقد كان الفقيد يؤمن بالقضاء والقدر، فهو مؤمن بالله ويجعل القدر دائما أمام عينيه، ولو تأملنا في كلمات الأغاني التي قام بتلحينها فسنجد أن المبدع عبدالعزيز ناصر يختارها بعناية شديدة وينتقيها بذوق رفيع، وأسوق أحد الأمثلة على أغنية قام بتلحينها وعنوانها "حسايف" انظروا ماهي كلماتها الرائعة:- حسايف تنقضي الأعمارحسايف ينتهي المشوارحسايف وردتي تذبلوفرحة عمري ما تكملأحس أن العمر يجريوأنا كلّه أقول: يجريوأردد كلمتي وأقولحسايف تنقضي الأعمار وهناك الكثير من الأعمال الفنية المميزة والخالدة التي كتبها وصاغها لحنا الفنان المبدع الموسيقار عبدالعزيز ناصر، وكانت رائعة في نوعية التلحين، ومنها:- يا قطر يا قدر مكتوبفي كل لحظة يتابعنالا أحد يا قطر يقدرعن ترابج يفرقنا عمري قطر روحي قطريا أم الكرم والجودعمري قطر لأرضك قطرنشتاق ونعود .- وأغنية "غردي" وتقول كلماتها الحزينة:غردي .. كل البلابل غردتغردي .. كل العصافير الحزينة غردت- يا قطر أنت الحياة أنت الوجوديا قطر يا أحلى لحن في الوجوديا قطرنا.. يا أملنا.. حبنا لك ماله ثمن ولا حدوديا قطرنا.. يا أملنا.. بأرواحنا نفديك يا أرض الجدود .- والأغنية التراثية الرائعة "لين يطرى علي لول":لين يطرى علي لول .. تطرى لي سوالفكمألاقي نفسي تأخذني .. على غفلة بسكتكملين هب الهوى الغربي .. جايب لي نسايمكمكل نسمة تهز قلبي .. أشم فيها خناينكم . (2)إذا تحدثنا عن مشوار حياته وبيئته الفنية، فنستطيع القول:إن الموسيقار "عبدالعزيز ناصر أحمد العبيدان" ملحن السلام الأميري في دولة قطر سنة 1996 م (الذي كتبه الشاعر مبارك بن سيف آل ثاني)، من مواليد سنة 1952م، ولديه من الإخوة: أحمد ومحمد وعبدالرحمن (وكيل وزارة). وهو مؤسس فرقة الأضواء أول فرقة فنية تكونت من قسمين: قسم للمسرح وآخر للموسيقى، والتي أنشأها مع مجموعة من الشباب القطري الموهوب بتاريخ فبراير 1966م، وكان لهذه الفرقة الفضل في بروز العديد من المواهب القطرية الشابة في مجال الغناء والمسرح على الساحة الفنية القطرية. كما كان لهذه الفرقة دور مهم في تكوين وتأسيس مراقبة الموسيقى والغناء بإذاعة قطر عام 1968م مع إنشاء الإذاعة الوطنية بشكل رسمي في ذلك العام، حيث انضم عدد من أعضائها إلى المراقبة كموظفين رسميين وكنواة لتكوين أساس المراقبة. وقد التحق عبدالعزيز ناصر بالمعهد العالي للموسيقى العربية بالقاهرة وحصل منه على شهادة البكالوريوس بتقدير امتياز في عام 1977م. وشغل منصب المراقب العام للموسيقى والغناء بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون منذ عام 1980 ورئاسة لجنة مراقبة النصوص والألحان. وفي عهده وتحديدا سنة 1982م تأسست (فرقة نادي الجسرة الموسيقية) ثم توقفت بعد مضي خمس سنوات على نشأتها تقريبا، وكانت تتكون من كل من: جاسم الهيدوس وعبدالعزيز جاسم الهيدوس وعبدالعزيز صادق وخالد المعضادي. وقد اهتم الموسيقار عبدالعزيز ناصر بالتراث الشعبي القطري، حيث قدم أعمالاً غنائية رائدة ومميزة استوحاها من ذلك التراث القطري الأصيل، وكان يضع عبر هذه الأغاني حسه الموسيقي فيها، مثل: أم الحنايا – العايدوه، الكرنكعوه، النافلة، الحية بية – باكر العيد – حنا جيناكم – حناك عيين – يا راعي الملعب – يا لقهوة – يا هلال هلك الله .. وغيرها.وقام بتلحين بعض الأغاني للأطفال مثل: يا مياه الشاطئ، يا فرحتي، الطفل والعصفور، غنمي غنمي، جاءت معلمتي، براعم الإبداع، ألف باء، الله خالق كل شيء. كما اهتم بالأعمال الغنائية الإنسانية وقدم أعمالاً غنائية خالدة تناولت قضايا قومية وعاطفية مثل: المجاعة - أحبك يا قدس- لأجلك فلسطين - محمد رسول الله - آه يا بيروت - أصدر للورق همّي - تصدق - ولهان ومسير- حسايف - عندي أمل- سوق واقف. وقدم أعمالاً غنائية وطنية في عشرات الأغاني وأكثر من أوبريت غنائي مثل: الله يا عمري قطر- عيشي يا قطر- الهدف واحد - عروس الأرض - فديت ترابك يا قطر – يطرى علي لول – هوى الدوحة. وشارك في أداء بعض أغانيه بجانب المطربين القطريين عدد من كبار مطربي الوطن العربي من أمثال: ( سعاد محمد - كارم محمود - لطفي بوشناق -علي الحجار - عبدالله رويشد – عبد المجيد عبدالله- لطيفة - إبراهيم حبيب - نعيمة سميح - مدحت صالح – أصالة - هاني شاكر - ماجد المهندس - طلال سلامة- ريهام عبد الحكيم – راشد الماجد). وقام بتلحين العديد من الأناشيد الوطنية مثل: نشيد الشباب – يا قطر أنت الحياة – نشيد القسم والذي اعتمد كأول نشيد وطني رسمي لدولة قطر عام ١٩٩٦م. أما أبرز الفنانين القطريين الذين لحن لهم الموسيقار الراحل فنذكر منهم: محمد رشيد وفرج عبدالكريم ومحمد الساعي وعيسى الكبيسي وصقر صالح وناصر صالح وسعد حمد ومحمد جولوه وعلي عبدالستار .. وغيرهم. ومن الكتاب والشعراء القطريين الذين لحن لهم: محمد الفيحاني وحسن بن أحمد الحسن المهندي وعبدالرحمن إبراهيم المناعي ومرزوق بشير ومبارك بن سيف آل ثاني وعبدالرحمن سالم الكواري وعبدالله عبدالكريم وعبدالله الجابر وجاسم صفر وخليفة جمعان ومحمد همام العبدالله وأحمد عبدالملك وغيرهم كثير. وتعاون معه المذيع والإعلامي القدير عبدالعزيز محمد في إلقاء بعض القصائد. وتعاون معه في أداء الآلات والإيقاعات الموسيقية الكثير من أمثال: أحمد الساعي وسعد بو عواد الهتمي وراشد خميس المال وعتيق سعيد مبارك وخميس جمعة بو حبل المنصوري وحسن درويش وعنبر مبارك وحسن علي وإبراهيم علي الهيدوس. أما أشهر الملحنين القطريين الذين عاصروا الموسيقار عبدالعزيز ناصر فنذكر: حسن علي درويش ومطر علي وحامد نعمة وخليفة جمعان ومحمد المرزوقي وعنبر مبارك وإبراهيم علي وفيصل التميمي وسالم تركي ومرزوق العبدالله وسالم فرج وإدريس خيري وعبدالكريم فرج وسلطان سعد مبارك وغيرهم .أما رؤساء الفرق الموسيقية الإذاعية والتلفزيونية في عهد الموسيقار عبدالعزيز ناصر فنذكر منهم: أحمد آدم ومصطفى أحمد علي ويحيى النحاس ومحمد القصبجي وفؤاد الحريري، وأغلبهم من مصر وسوريا. ومن المبتعثين القطريين الذين عاصروا فترة وجود عبدالعزيز ناصر في القاهرة أيام الدراسة خلال السبعينيات فنذكر منهم: عبدالله صادق ود. محمد عبدالرحيم كافود وعلي بن ناصر النعيمي ود. مرزوق بشير وأحمد عبدالله السليطي وعلي سعيد الكواري ود. سعد سعيد الكواري ومريم آل سعد وعبدالرحمن الخليفي ود. عبدالرحمن سالم الكواري ومحمد صالح الكواري ومحمد بو سطوة الهاجري وغيرهم . (3)وقد حصل الفقيد على الكثير من الجوائز والأوسمة والميداليات التي حصدها طوال مشوار حياته، لعل أبرزها جائزة الدولة التقديرية 2006 من قطر في مجال الموسيقى، كما كرم من قبل قادة وملوك مجلس التعاون الخليجي ومنح وسام المجلس مع نخبة من المبدعين القطريين في ذلك الوقت، وتم التكريم بمدينة مسقط العمانية سنة 1989م. وتم تكريمه في مهرجان الخليج السابع للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بمملكة البحرين عام 2001 م. كما نال وسام التكريم من قبل معهد حلب للموسيقى بسوريا عام 2002م. وكذلك وسام التكريم من قبل المهرجان العاشر للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بجمهورية مصر العربية عام 2004م. وحصلت الأغنية التي لحنها (يا قدس يا حبيبتي) على الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة السابع للإذاعة والتلفزيون2001م، وأغنية (الطفل والعصفور) التي حصلت شهادة تقدير من المهرجان نفسه. كما دولة قطر في عضوية المجلس التنفيذي في المجمع العربي للموسيقى. وكذلك وسام التكريم من المجمع العربي للموسيقى عام 2013م، وجائزة (الأوبرا الذهبية) الخاصة في حفل توزيع جوائز الأوسكار للأوبرا والغناء الكلاسيكي الدوحة 2014 م . (4)ومن الذكريات التي ما زالت عالقة في الذاكرة عن الموسيقار عبدالعزيز ناصر تواصلي معه – شخصيا - سنة 2005 م عندما شرعت في تاليف أحد الكتب العلمية عن شاعر قطر الراحل محمد بن جاسم بن محمد بن عيدالوهاب الفيحاني (1907 - 1939) حيث أمدني – رحمه الله – ببعض المخطوطات والنوتات الموسيقية لبعض الألحان التي قام بتلحينها وهي من قصائد الفيحاني الرائعة، وكان متأثرا بقصة الفيحاني وتجربته العاطفية التي مر بها، وكان يقول عنها: بأنها تجربة فريدة ومؤثرة في النفس وأنا أول من تأثر بها بسبب مرارة التجربة. ويضيف: بأنه يبكي أحيانا عند سماع أشعار الفيحاني. وللعلم فإن الموسيقار الراحل قام بتلحين بعض قصائد الفيحاني مثل: قصيدة الدار، وقصيدة هاضني وأحدث شجوني .أما لقائي الثاني معه فكان قبل عدة أسابيع في منزله الخاص في "حي ابن محمود" حيث زرته لإنجاز أحد المشاريع التراثية لمتحف قطر الوطني الجديد برفقة الأخ الباحث محمد أبو هندي لتوثيق "السلام الأميري" لدولة قطر، وذلك بحكم عملي كمستشار منتدب في التراث بـ (لجنة المحتوى) في هيئة المتاحف، وكان ذلك مساء يوم الأحد خلال جلسته الأسبوعية لمجلسه الخلص، وكانت الجلسة بحضور نخبة من الشعراء والأدباء والموسيقيين مثل الشاعر حسن نعمة وغيره. حيث أفاد الموسيقار عبدالعزيز بأن سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مهتم بشكل كبير بالسلام الوطني وأنه كان يشجعه بشكل دائم على الإبداع لهذا الوطن، وكذلك صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر (حفظهما الله) . (5)قال عنه المذيع القدير عبدالعزيز محمد رفيق دربه في إذاعة قطر: ( الموسيقار الراحل عبدالعزيز ناصر فنان مرهف، عرف معنى الاحترام فاحترمه الجميع، وعرف معنى الفن فأصبح للفن معنى، رحمك الله أيها الفنان الإنسان، فقد كان رمزا كبيرا من رموزنا، وقامة فنية لم ولن تنكسر، ونسمة علية كانت تقينا حرارة بلادنا. إن فقدناك ليس فجيعة شخصية عابرة أتجرعها وحدي في غربتي بل قشعريرة عميقة تجتاحنا، لن نتعافى منها بسهولة. رحمك الله يا صانع الدهشة والبهجة والمتعة، وإلى جنة الخلد بإذن الله) . ويقول عنه الكاتب والناقد الدكتور حسن رشيد: ما أقسى رحيل رفقاء الدرب، كان المرحوم نموذجا يحتذى به، ثقافة موسوعية وإبداع في مجال الفن والموسيقى، وبرحيله خسرنا مبدعا ينتمي إلى ثرى هذا الوطن، وتكريمه يكون بإيجاد جائزة فنية تحمل اسمه، فقد حمل إبداع هذا الوطن إلى كل الأرجاء، وسيظل الفقيد ثروة وطنية بما أنجز، وقد عرف عنه أنه اعتلى المسرح كمغن قبل افتتاح إذاعة قطر 1968م، وأسس فرقة الأضواء، وأعماله يمكن حصرها، وهناك مادة حديثة وزعها المرحوم قبيل وفاته في شهر رمضان الفائت من كلمات نزار قباني. ويضيف: أهم أصدقاء الدراسة مع الموسيقار الراحل: حسن رشيد وحامد نعمة ومرزوق بشير ومحمد رشيد ومحمد أبو جسوم ومحمد الساعي وغيرهم.ويقترح الأستاذ علي صادق مسؤول المكتبات بجامعة قطر ضرورة الاهتمام بتراث الموسيقار الراحل قائلا: أتمنى أن تستفيد الدولة من مقتنياته ووثائقه الورقية والخطية، أسوة بما أمر به سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بالاحتفاظ بالمرسم الخاص واللوحات والأدوات والفرشاة الخاصة بالفنان الراحل جاسم زيني. **كلمة أخيرة رحم الله عميد الموسيقى القطرية وصاحب الأخلاق العالية، اللهم ارحمه واعف عنه عند السؤال! واجعل مثواه جنات النعيم! اللهم آمين.