14 سبتمبر 2025
تسجيلعشية قدوم الوزير الأمريكي وأمين عام الأمم المتحدة للمنطقة في مساعي إيقاف الحرب على غزة، وبعد خطاب الرئيس الأمريكي حول ضرورة إيقاف هذه الحرب وذكره اسم حماس في خطابه تصريحا لا تلميحا.. برز في المشهد الإعلامي الفلسطيني كل من " ياسر عبد ربة " أمين سر تنفيذية المنظمة و " رامي الحمد الله " رئيس وزراء سلطة رام الله.. فتكلما بلهجة ثورية ولغة صارمة مطالبين بضرورة كسر الحصار عن غزة ووجوب رفع كل أشكال المعاناة عنها..اللافت أن هذا البروز الذي أصفه ب" الصحوة " يأتي بعد أسبوعين من القصف على غزة، وبعد أن قام العدو – حتى حينه - بقتل وجرح أكثر من أربعة آلاف فلسطيني من شعبهما، وبعد أن قذف غزة بأكثر من 2000 طن متفجرات ومسح أسرا بأكملها من السجل المدني من الجد والأب إلى الحفيد وابن الحفيد ودمر أحياء سكنية بالجملة.. والسؤال ما الذي جعلهما يسمعا استغاثات الثكالى وصرخات الأرامل وأنات الجرحى فجأة.. ولم يسمعاها من قبل ؛ وهي التي لم تنقطع في ساعة أو لحظة من ليل أو نهار، ولم تغب عن شارع أو مستشفى أو زقاق أو شاشة فضائية في كل الدنيا.. لا بد حينئذ من البحث عن سبب آخر أيقظهما فجأة وحرك مشاعرهما وأثار حوافزهما، وبالتأكيد لن يكون صحوة ضمير ولا هبة وطنية فهي يفترض أن لا جديد فيها.. فما هو يا ترى؟ والقصة تتعلق بما يمثلانه وبموقعهما والدور المتوقع لهما، وليست بحثا في الضمير، ولا هي شخصية.. وأقول: إن حرب العدو قد وصلت مداها، وبلغت نهاياتها، خصوصا وقد استحر القتل في جنوده، وصار له – حتى حينه وباعترافه – أكثر من 300 جندي بين قتيل وجريح، وأسرت له حماس الجندي " شاؤول أرون " وصار التحدي على الكثير والقليل، العدو أضبح الآن بين ثلاث ضرورات لا فكاك من إحداها ؛ فإما أن ينتصر وهذا مستحيل، أو أن ينهزم وهذا أقرب للواقع باعتبار أن القوي إذا لم ينتصر فهو مهزوم، وأن الضعيف إذا لم يهزم فهو منتصر، وإما أن يقوم أحد ما أو جهة ما بوساطة تحفظ بعض ماء وجهه " وهذه هي المتبقية التي يسعى فيها الوسطاء وعليها قامت " المبادرة المصرية - الصهيونية " الفاشلة، ولأجلها تندفع الوساطات الأخرى – كيمون، وكيري، والأوروبيون - وهنا تحديدا تحضر الأسماء وأشخاصها.. فالشخصان " عبد ربه والحمد الله " يمثلان مؤسستين تريان ضرورة أن تظل أي مفاوضات مع العدو اختصاصا لهما وحكرا عليهما وعلى مؤسستيهما، وقد أثار غيرتهما – أقصد المؤسستين والشخصين – وأثار حسدهما، أن الرئيس الأمريكي سمى حماس في المفاوضات التهدئة، فخافوا أن يعطي ذلك حماس صفة إضافية وعلاقات دولية، إضافة لمكتسباتها الشعبية والثورية من المواجة والأداء الكبير الذي تحققه. من جهة أخرى فإن بين عباس وغزة خصومات وتنازعات على خلفية صراعه مع " محمد دحلان " الرجل القوي داخل فتح غزة، والرجلان " عبد ربه والحمد الله " بعيدان عن إشكالات فتح الداخلية فكلاهما خارج نطاق ذلك. وأما اللهجة الثورية والنبرة العاطفية وعبارات التمجيد للمقاومة والوحدة التي استخدماها فهي جميلة ومطلوبة، ولكن من المرجح أنها وحسب الموقف الذي لا تزال مؤسستاهما تمارسانه على الأرض إنما يأتي في سياق منافسة حماس، والتوسل بها لكسب شرعية وطنية وثورية تؤهل للقيام بدور صغير أو كبير، ومن قبل اعتدنا أنهم يستخدمون دعوى الوطنية لتأميم وتعويم مكتسبات حماس، ويستخدمون دعوى الثورية لنفي شبهة عدم مشاركتهم في المجد، ويستخدمون اللغة العاطفية لكسب المجاملات.. آخر القول: ليس الهدف من طرح هذا التحليل إثارة الخلافات، وليس ظهور " عبد ربه والحمد الله " بخبر لافت في حد ذاته، لولا أنه يؤشر على أن معركتهم على المقاومة تتواصل بكيفيات متغيرة، وأن المقاومة تحقق إنجازات، وأنهم يعولون على أن يحولوا بين حماس والاتصالات الدولية التي يرون أنها يجب أن تظل حكرا لهم وعليهم.