13 سبتمبر 2025
تسجيلأولاً: حكم التوكلجعل الله تعالى التوكل عليه شرطاً في الإيمان، قال الله تعالى: (وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين) وقال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ، فَقَالُواْ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا). قال الله تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) قال ابن القيم في مدارج السالكين: التوكل نصف الدين.وقالت رسل الله تعالى لأقوامهم الذين لم يؤمنوا بهم (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه الآية: فالعبد آفته إما من عدم الهداية، وإما من عدم التوكل، فإذا جمع التوكل إلى الهداية فقد جمع الإيمان كلَّه) فالتوكل على الله هو شأن الأنبياء والمرسلين، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. قالها إبراهيم صلوات الله عليه حين أُلقي في النار،وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).قال ابن تيمية: التوكل على الله واجب من أعظم الواجبات، كما أن الإخلاص واجب، وحب الله ورسوله واجب.ثانياً: معنى التوكل على الله.التوكل على الله هو صدق اعتماد القلب على الله في جميع الأمور، مع بذل الأسباب المشروعة.قال ابن رجب: وحقيقة التوكل هو صدقُ اعتمادِ القلب على الله عز وجل في استجلابِ المصالحِ ودفعِ المضارِ من أمور الدنيا والآخرة كلها.فالمتوكل على الله: يبرأ إلى الله من حولهِ وقُوَّتِه، ويعلمُ علماً يقينياً أنه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله. ولذلك كانت هذه الكلمة كنزٌ من كنوز الجنة لعظم شأنها وأثرها، فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (..قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنزٌ من كنوز الجنة).ومعناها: أنه لا تحول لنا من حالٍ إلى حال، ولا قوة لنا على فعل شيء إلا بالله وحده. فلا نستطيع التحول من حال الضعف إلى حال القوة، ومن المرض إلى الصحة، ومن الفقر إلى الغني، ومن الخوف إلى الأمن، ومن المعصية إلى التوبة، ومن الضلال إلى الهداية.. إلا بالله تعالى وحده لا شريك له. ولا قوة لنا على إقامة شرعه، وتبليغ دينه، وتحقيق عبوديته إلا بالله، ولا قوة لنا على القيام في الصلاة والركوع والسجود إلا بالله، ولا نستطيعُ الحصولَ على المال، ولا النجاح الدراسي، ولا التوفيق في تربية الأولاد، ولا الصبر والثبات على أمر الله إلا بالله، ولا نستطيع أن نسمع أو نبصر أو نتكلم أو نقف أو نمشي أو نرفع أو نخفض.. إلا بالله. ولذلك كان من أهم معاني التوكل على الله ولوازمه: الاستعانة بالله؛ فالمؤمنُ بالله المتوكل عليه يستعينُ بالله دائما في أموره كلها ويُلِحُّ في الدعاء: إياك نعبد وإياك نستعين. فنحنُ لا نعبدُ إلا إياك ولا نستطيعُ عبادتك إلا بمعونة منك، فأعنّا.فالمؤمنُ يدعو اللهَ تعالى أن يعينَه على طاعتهِ وعلى أمورِ معاشه، والنصوصُ في طلب إعانة الله على فعل الطاعة وطلب النصر كثيرة في الكتاب والسنة، ومن ذلك: قول الله تعالى:( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)واعلم أن ثمرة التوكل الرضا بالقضاء، فمن وكَّل أموره إلى الله، ورضي بما يقضيه له ويختاره، فقد حقق التوكل.والمتوكِّلُ على الله: يُفَوِّضُ أمرَه إلى الله. قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) فكان جزاؤُه من الله على هذا التفويض (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ).