16 سبتمبر 2025

تسجيل

المعارضة والعداء للرسول

24 يوليو 2013

تحدثنا بالأمس عن معارضة مخلصة تبتغي الخير، وعن أناس وجدوا في أنفسهم شيئا فصارحوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينتظر حتى يكثر الكلام وتشحن الصدور، بل خرج وتكلم مسديا الفضل لأهله، ومتحدثا كلاما عقليا ممزوجا بالعاطفة والدعاء لهؤلاء الأنصار الذين لهم فضل في الإسلام يذكر فيشكر، واليوم نتحدث عن معارضة أبطنت عداءها للنبي تارة، وأظهرته تارة أخرى، وهذه المعارضة لم تكن تريد خيرا، ولا تستفسر عن شيء فعله رسول الله غمض عليها، لم تكن كمعارضة عمر للرسول في الحديبية التي كانت غيرة على الإسلام، ولا كنقاشه في شأن مقام إبراهيم ولا في شأن الحجاب ولا في شأن الأسرى، فكل هذه آراء لم تكن مؤيدة لقرار الرسول، ولكن عمر رضي الله لم يخرج عن حدود الأدب، وكانت غايته خدمة الإسلام والمسلمين، فحق أن يستمع له وحق أن ينزل القرآن موافقا رأيه الذي خالف النبي المؤيد بالوحي. أما المعارضة التي نتكلم عنها فتلك المعارضة التي لا تحدث استقرارا في المجتمع، وتنفخ في نيران الفتن، وتكذب ألف كذبة على كل كلمة كي توغر الصدور ويتشاحن الناس ولا يستقر الوطن، وهذه قاومها النبي بوسائل مختلفة، نذكر منها: أولا: الصبر على المعارض ومعاملته بالحسنى، فإما أن ينقلب المعارض إلى مؤيد وإما أن يتخفى بمعارضته ولا يظهرها إلا بحذر، ومن هنا يكون النبي قد أمن شره، فأما من صبر على معارضته وصار مؤيدا فله أمثلة كثيرة، منها عمر بن الخطاب بحديث الضب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضبا وجعله في كمه يذهب به إلى رحلة فرأى جماعة فقال على من هذه الجماعة فقالوا على هذا الذي يزعم أنه نبي فشق الناس ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ما اشتملت النساء على ذي لهجة أكذب منك وأبغض إلى منك ولولا أن تسميني قومي عجولا لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك الناس أجمعين فقال عمر يا رسول الله دعني أقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الحليم كاد يكون نبيا ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال واللات والعزى لا آمنت بك وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أعرابي ما حملك على أن قلت ما قلت وقلت غير الحق ولم تكرم مجلسي قال وتكلمني استخفافا برسول الله واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب فأخرج الضب من كمه وطرحه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن آمن بك هذا الضب آمنت بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ضب فتكلم الضب بلسان عربي مبين يفهمه القوم جميعا لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعبد قال الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عذابه قال فمن أنا يا ضب قال أنت رسول رب العالمين وخاتم النبيين قد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك فقال الأعرابي أشهد أن لا إله إلا الله وأنت رسول الله حقا والله لقد أتيتك وما على وجه الأرض أحد هو أبغض إلي منك ووالله لأنت الساعة أحب إلى من نفسي من ولدي فقد آمن بك شعري وبشري وداخلي وسري وعلانيتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداك إلى هذا الدين الذي يعلو ولا يعلى عليه.