13 سبتمبر 2025

تسجيل

تونس: الحاجة الملحة والعاجلة لخيارات جديدة

24 يونيو 2016

الأزمة الراهنة التي تعيشها تونس، المفوتة في ماضويتها، والحديثة في شرطها الراهن، هناك من ينظر إليها من جانب أحزاب الطبقة السياسية الحاكمة، وخبرائها، وحلفائها، على أنها أزمة حكومية، تقتضي تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالتالي تغيير رئيس الحكومة الحالي السيد الحبيب الصيد، والإتيان برئيس حكومة جديد، للقيام بالإصلاحات الهيكلية المؤلمة التي تطالب بها المؤسسات الدولية المانحة. بينما تنظر المعارضة الوطنية والديمقراطية إلى الأزمة الراهنة في تونس، على أنها ليست أزمة حكومة بل هي أزمة نظام حكم ومنظومة حكم، وهي ليست أزمة نمو اقتصادي كما هو الحال في البلدان الصناعية المتقدمة، وإنما المسألة الجوهرية مرتبطة بخيارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تونس، البلد الذي يعيش في حالة من التخلف والتبعية، ويحتاج إلى مشروع وطني ديمقراطي لتحقيق أهداف التنمية، ذات الأبعاد الاقتصادية بمعناها الشامل، ولكن لها أيضا أبعادًا اجتماعية وثقافية، إضافة إلى البعد الأهم وهو البعد السياسي المتمثل في بناء دولة وطنية ديمقراطية. ومن هذا المنظار، فإن حكومة الوحدة الوطنية التي يطرحها رئيس الجمهورية لن تغير من الوضع شيئا مادامت الخيارات هي نفسها. في ظل حكومة الصيد، استمرت الحركات الاحتجاجية والاضطرابات الاجتماعية التي وصلت حتّى الانتفاضة في شتاء 2016، وانكشفت أيضا أزمة النظام السياسي الجديد، فرغم أن تونس تبنت النظام البرلماني، فإنه مع ذلك، أصبح مركز الثقل داخل السلطة في تونس هو القصر الرئاسي في قرطاج، وليس قصر الحكومة بالقصبة ولا قصر المجلس النيابي بباردو. وبدا واضحًا للجميع أن هنالك نظامًا سياسيًا يتشكل أو تشكل بصفة موازية للنظام السياسي الذي تم تحديد مبادئه وقواعده في نص الدستور. وزاد من استشراس هذه الظاهرة، الأزمة التي عرفها «حزب نداء تونس» وتداعياتها لجهة خضوع هذا الحزب الأغلبي لقاعدة التشتت، وتمكّن شق على حساب آخر شؤون الحزب وجزء من الدولة. وفي هذه الأزمة الحزبية، أصبحت الدولة تعيش في حالة من الفراغ، وفقدت هيبتها، والحال هذه، تحتاج تونس إلى خيارات جديدة للخروج من أزمتها: وأولها، الاعتماد على نموذج جديد للتنمية، يكون من صلب المشروع الوطني الديمقراطي - المجتمعي، يستهدف إقامة مجتمع ديمقراطي عادل يضمن أوسع مشاركة شعبية، من خلال العمل المؤسساتي في إدارة شؤون المجتمع بما يعني إتاحة الفرصة لجميع المواطنين من الإسهام في بناء المجتمع والتعبير عن مصالحهم..وثانيها، التحرر من القيود والشروط التي تفرضها الرأسمالية المعولمة، ومؤسساتها الدولية المانحة، لأن منافعها تعود إلى الطرف الأقوى على حساب الاقتصاد الوطني التونسي. وثالثها، الانطلاق من مفهوم الاعتماد على الذات، وإعادة الاعتبار إليه، وإعادته إلى النسق المجتمعي بدلًا من النطاق الفردي، من دون الانعزال، ومن دون الوقوع في فخ التبعية. ورابعها، إعادة الاعتبار لوظيفة التخطيط، وبالتالي لوزارة التخطيط، واستخدامها على نحو علمي وعملي. وخامسها، الأخذ بنظر الاعتبار التطوير الحاصل في مجال التكنولوجيا والاتصالات والمعلوماتية، في إقامة مجتمع المعرفة. إن خيار التنمية الجديد لتونس، هو عملية تحرر إنساني تشمل تحرر المواطن التونسي من الفقر والجهل والقهر والاستغلال، كما تشمل تحرير المجتمع التونسي من ذل الاعتماد على الغرب، وتخليصه من قيود التبعية له، بما تحمله من الاستغلال، وتقييد للحرية والإرادة الوطنية، ومن هشاشة أمام الصعوبات الخارجية.