13 سبتمبر 2025

تسجيل

قصص من روائع حضارتنا..(عيسى الغواص)(2)

24 يونيو 2015

وعلى باب منزل القائد كان عيسى الغواص يستأذن في الدخول وعلى الفور أذن له وبعد أن رحب به القائد خاطبه بقوله: اسمع يا عيسى لقد رأيت فيك ما أتمناه في كل شاب مسلم ولا أشك أننا في حاجة إلى كثير من أمثالك، أتجيد فناً من فنون البحار يا عيسى؟ نعم يا سيدي القائد أجيب السباحة إجادة تامة.اسمع يا عيسى لقد كنا على صلة تامة بقائدنا صلاح الدين، أما وأن الحصار قد ضرب علينا فلم يعد باستطاعتنا ذلك ... أتستطيع خدمتنا في هذا المجال؟ بكل ثقة يا سيدي القائد .. ففي استطاعتي أن أسبح في الماء كما أسير في اليابسة.إذن يبداً عملنا من الغد بإذن الله فعليك أن تحضر إلينا إن شاء الله غداًوفي الغد جاء فأمر القائد بعض جنوده بتجهيزه، فجهزوه، وشدوا على وسطه جزّا، وعلقوا في عنقه قيبة صغيرة، وأعطاه القائد رسائل يبلغها إلى صلاح الدين، وحملها عيسى وسار يسبح في البحر حتى وصل إلى هدفه وكم يعجب الناس لرجل كعيسى يسير أميالاً في البحر في وقت ما درى العالم فيه فناً من فنون السباحة الحديثة، ولكنه الإيمان الذي يدفع صاحبه إلى أعنف المعارك فينتصر عليها ويقحمه في أشد الغمرات فيخرج منها ظافراً، وهكذا كان إيمان صاحبنا عيسى رائده في عشرات الأميال التي قطعها عبر البحار وقائده في كل ما يطلب منه من خدمات لدينه الحنيف.وظل أمر عيسى هكذا... السفير بين المسلمين المحاصرين في عكا وبين صلاح الدين خارجها.. يقوم بحمل الرسائل لصلاح الدين ويعود بالأموال والأوامر منه.وذات يوم خرج عيسى كعادته يحمل بعض الرسائل إلى صلاح الدين ليعود بالرد عليها بعد أن يوصلها له.وانتظر المسلمون عودته وطالت مدة غيبته أكثر من ذي قبل، وقلق المسلمون عليه واضطربت أعصابهم خوفاً وصاروا يخرجون كل يوم إلى شاطئ البحر ينظرون ويتأملون ويدعون الله ويبتهلون..و عاد عيسى الغواص... عاد عيسى لا بتلك الهيئة التي ذهب بها ولكنه عاد جسداً بالياً لا حياة فيه.. عاد جثة تتقاذفها الأمواج ويلعب بها الماء.وهنا وقف المسلمون مذهولين، وأطبق عليهم الصمت وعلت وجوههم الكآبة.. وانحنى أحدهم على جثة عيسى ليرى ثلاثة آلاف دينار ويضع رسائل من صلاح الدين ما زالت معلقة في عنقه.فنظر المسلمون إلى الرجل الذي انحنى، ونظر ذلك الرجل إلى المسلمين بعد ما رأى من عيسى ثم قال: ودمعة تنحدر على خديه: أيها المسلمون لقد مات عيسى الغواص ولكنه أبى إلا أن يؤدي الرسالة ميتاً كما أداها حياً فوا رحمة الله عليه .فردد المسلمون : رحمة الله عليه ... رحمة الله عليه.وبالله التوفيق،