30 أكتوبر 2025
تسجيلحبسنا الأنفاس، ارتفع ضغطنا، وسكرنا، وضاقت الشعب الهوائية بأنفاسها، ونحن نتابع استعداد المنصة للنطق بقرار مصيري تنتظره مصر، ابتلعنا توترنا مجبرين ورئيس المحكمة الدستورية يهدد منفعلاً (إما الهدوء أو حنمشي) وكان هدوء القاعة، رغم صخب النفوس الساكنة، ساد الصمت ليبدأ رئيس المحكمة بمقدمة طويلة فائقة الجودة حتى قال (كان أملي وأمل الجميع إعلان النتائج اليوم في أجواء احتفالية بيد أن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه) كانت هذه العبارة كافية لرفع الضغط درجات والسكر معه، ومع التطويل الذي قهرنا مضغنا الوقت وعلكناه بصبر مر حتى ينتهي رئيس المحكمة من تلاوة أوراقه الطويلة، ونسبه المحتسبة، والمرفوضة، والطعونات، والتظلمات، والتدقيقات، والحذف والإضافة إلى أن وصل إلى الورقة الأخيرة، لنحبس الأنفاس متهيئين لسماع ما قد يسر أو يضر، حتى نطق الرجل مسمياً (محمد مرسي) رئيساً لمصر، ليكون حالنا حالا آخر، رغم أنني لم أنتخب (مرسي) فالذي تصورته رئيسا لمصر لم يفز، لكن مجرد ابتعاد الاختيار عن (ريحة أي عسكري) دفع في صدورنا بفرحة النجاة من كل من يمكن أن نشتم منه استعباداً أو قهراً أو ظلما، أو تضييعا لمصر بعدما عانى المصريون ممن قتل مصر وشعبها دون أدنى رحمة، لم تكن مصر بحاجة لآلام وأحزان جديدة ففيها من الحزن ما لم يعرفه إلا الذي عاناه، ويكفي مصر من جثم على صدرها ثلاثة قرون ليقول بعدها ما (كنت طالب جاه ولا سلطة) سؤال كم كان يلزم المخلوع ليطلب الجاه والسلطة وقد جاوز الثمانين؟! اليوم يوم مصيري، انتصرت فيه إرادة الشعب انتصاراً باهراً بعد طول اختطاف مصر ليغترب عنها أولادها وهم في قلبها وقد استأثر القلة بخير (التكية) مصر دون أن يكون لهم إلا الفتات. اليوم يوم مصيري مطلوب بعد غروب شمسه بزوغ همة لكل الشعب المصري مسلميه، ومسيحييه، نساءه، وشبابه، ورجاله لحماية مصر التي تشظت، وتعبت، وتوجعت كثيراً، مطلوب من كل مصري أن يعلن حبه، وانتماءه، لوطنه بأن يكون مع أخيه المصري يدا واحدة لبناء مصر الجديدة، مصر العزيزة، مصر الحرة، دون ضغائن، ولا حروب جانبية، ولا شماتة، ولا تعصب، مطلوب كما في الميدان (إيد واحدة) سدد الله رئيس مصر الجديد آملين أن يحقق لمصرنا الغالية الحرية، والعدالة الاجتماعية، دون إقصاء أحد، أو اضطهاد أحد لترسو السفينة التي طالما تناوشتها العواصف إلى شاطئ أمان يرجوه كل مصري بعد طول ألم وقهر. طبقات فوق الهمس * أول ما تبادر إلى ذهني بعد إعلان النتيجة وفوز (د. محمد مرسي) رئيساً لمصر (كسوف) كتيبة المذيعين، والإعلاميين، والكتاب الذين ما أن تصوروا من تسريبات خاطئة بأن (شفيق) هو الفائز حتى مالوا لكفته يلمعون الرجل، وينمقون صورته، ويفصلونها عن مثله الأعلى وحبيبه (مبارك) نافين أنه من الفلول متناسين مآسي موقعة الجمل، بل راحوا دون خجل ينسون ما سبق ان قالوه في برامجهم، وتصريحاتهم، وأعمدتهم التي كانت تناصر التيار الإسلامي، عموما أنا خجلانة بالنيابة عن كتيبة النفاق التي أساءت للمشهد الإعلامي النظيف، وأسأل الآن بدهشة كيف ستكون مواقف المذبذبين، ماذا سيقولون ويكتبون، أتراهم سينتقون من بساتين الكلام أحلاه ليكون وصفاً لرئيس مصر المنتخب؟ هل سيغيرون جلودهم ببساطة ليهللوا، ويرحبوا، ويبتهجوا، كله جائز، وممكن لذا نكرر أيها المنافقون أين حمرة الخجل؟ * أخف دم هتاف سمعته من التحرير(لم هدومك ياعكاشة.. أوعى تطلع تاني ع الشاشة) والحقيقة أن د. توفيق عكاشة صاحب قناة (المواعين) في مأزق حقيقي إذ ماذا سيعمل بعد أن حاز لقب (مذيع الفتن) بامتياز؟ اذكر أن الدكتور كان قد أكد لنا أنه سيهاجر إلى (ألمانيا) ولن يعيش في مصر إن فاز (مرسي) وله نقول (المركب اللي تودي ووراك خمسين ألف قلة). * انفجار ميدان التحرير بفرح أسطوري بعد إعلان فوز مرسي لقطة لا يمكن كتابتها، ولا وصفها، تصورتها فرحة يتيمة ألقت بها المقادير لشعب عانى من الهم والغم والتهميش ما يفيض عن الكأس. * اليوم علينا أن نفتح كل الجراح للتطهير، والتعقيم، والإصلاح. * ما أجمل أن نساعد رئيس مصر الجديد بأن نكون جميعا أبواقاً للحق والعدل. * قالوا (لا معقب على كلام القضاء) ونقول (لا معقب على كلام الله). * إعلاميون، وصحفيون، ومذيعون، ورؤساء تحرير خرجوا علينا منذ أيام ليفضحوا النظام السابق وتعليماته ليكون الإعلام أبواقا للسلطة، ذهلت وأنا أتابعهم وقد قالوا كيف كانوا يتلقون التعليمات، بقل، ولا تقل، اشطب، وأضف، ضلل، غير، اقلب الحقائق، غيب، تجاهل الأحداث الجلل، ابرز الضعيف السخيف الهزيل، كانت التعليمات صريحة الهاء الناس بقضايا سطحية، ويمكن افتعال الأزمات الملهية عن مصائب البلد وكوارثه، سمعت من الشرفاء كيف كانت التعليمات ليكون البعض (ببغاوات) النظام، وحاملي المباخر خلف سيادة الرئيس، أما من رفض أن يكون كومبارس إعلاميا فقد اقتصوا منه بالإقصاء، نرجو أن تنعم مصر الجديدة بإعلام نظيف لا يمتهن التصفيق، وتحية للشرفاء.