24 سبتمبر 2025
تسجيللا ريب أن انشقاق العقيد الطيار البطل حسن مرعي حمادة عن نظام الطغيان والفاشية في سورية كان حدثا مدويا في العالم كله، ليس لأن هذا الانشقاق فريد من نوعه، حيث إنه قد فر عدة طيارين وضباط كبار في سلاح الجو سابقا وأثناء الحراك الثوري ضد عصابة الإجرام الأسدية ولكن لأن الانشقاق في هذا الوقت بالذات حيث يصر نظام الأسد أنه قوي غير متخلخل يشكل إحدى الضربات الصاعقة له حيث يظهر أن مثل هذا الطيار وبهذه الرتبة الكبيرة قد انحاز إلى الشعب وثورته ليزيد من فرض الوقائع المؤثرة المعبرة على الأرض لا لمجرد الاستغراق الممل في ظلام دهاليز السياسة وبيع الكلام وإعطاء الفرص غير المجدية لحل الأزمة على حساب عشرات آلاف الضحايا بدم بارد والقمع الوحشي النازي من أجل سحق ثورة الشعب الثائر، فقذيفة الحق هذه لن تنسى في سجل نظام الإرهاب في دمشق ولذلك لاحظنا أنهم اعترفوا بعد ذلك صراحة بهذا الانشقاق، وصرح وزير الدفاع العماد داود راجحة أن هذا الطيار يعتبر فارا من الجيش وخائنا للوطن وسيلقى حسابه، في حين سارعت الحكومة الأردنية في اجتماع رئاسة الوزراء إلى تقديم اللجوء السياسي لهذا البطل حسب القانون الدولي وهذا يدل على شجاعة وموقف نبيل منهم مؤازرة لشعبنا الذبيح ورفعا لمعنوياته ودفعا في تعبئته، وغير خاف أن هذا الفعل الجهادي الطموح المغامر بهذه الشجاعة النادرة - رغم توقع كل المخاطر – سيكون حافزا رافعا لانشقاقات عدة من ضباط الجيش في سلاح الأرض والجو ومثبطا لمعنويات الجيش الخائن وإن انشقاق العقيد الطيار رافضا الاشتراك في ضرب مواقع الثوار في درعا الحدودية مع الأردن قد أدى في اليوم الثاني إلى انشقاق اربعة ضباط عمداء وعقداء من الجيش النظامي، وإن الغيث أوله قطر ثم ينهمر، ومن يتابع التحركات الروسية والأمريكية للقاءات قريبة لبحث الملف السوري بقوة هذه المرة يدرك مدى قيمة انشقاق العقيد الطيار، ومن يلاحق مسلسل المجازر الوحشية السابقة والحاضرة وتسعير القمع الشرس الذي يوفي به بشار بعد تهديده في خطابه الأخير يحس كم يقوي موقف الطيار ويلهب حماسة الشعب ويمنحه جرعة ناجعة لمواصلة الثورة رغم كل العذابات والفواجع، ويقدمه وهو يجاهد إلى أبواب النصر وهنا لابد أن أشير إلى أن العقيد الطيار لم ينشق إلا من أجل الحق الأحق ونصرة شعبه الذي خذله الحكام والمجتمع الدولي، كما عنون الثوار جمعتهم السابقة إذا خذلنا الحكام فأين الشعوب؟ فالطيار واحد من هذا الشعب المظلوم وهذه نصرته لهم عمليا وليس كما ذهب البعض أن انشقاق الطيار إنما جاء استجابة للرسالة الصوتية التي وجهها السفير الأمريكي في دمشق روبرت فورد ودعا فيها الضباط ورجال الأمن إلى الانشقاقات ومن هنا رحب البيت الأبيض بانشقاق الطيار واعتبر ذلك خطوة في الطريق الصحيح، فمتى كان الأحرار يستجيبون لنداءات أمريكا التي وإن كانت تبدي معارضة للنظام ظاهريا وتفرض بعض العقوبات التي لم تجد عليه إلا أنها تشارك فعليا في قتلنا السريع والبطئ بمواقفها المصلحية التي تتناغم مع أمن إسرائيل ولا تقف موقفا عمليا يوقف روسيا عند حدها ولو في الحدود الدنيا، ولا هي تسمح وتسهم في إنشاء مناطق آمنة في سورية أو حظر جوي حماية للمدنيين، وبالتالي فإن موقف الطيار موقف مبدئي ذاتي مستقل يمثل إرادة الشعب وطموحاته ومن هنا نجد كيف أن السلطة الباغية أسرعت بحرق منزله كما تعاقب الشعب بمثل هذه الأفعال الرخيصة الحاقدة شأن رئيسها الذي أخذ اليأس يأكله أكلا شيئا فشيئا، ولعل الموقف الشعبي الذي أبرزه الطيار وبلوره فزاده ألقا وعمقا بجواب نعم نعم وألف نعم لهذا الشعب العظيم وخطابه السامي، نعم لمبدأ أن الشعب أقوى من الحكومة وحقه أقوى من باطلها سيما أن سلاح الجو يعتبر عمودا فقريا ومؤسسته هي الأكثر ولاء للنظام. نعم لحال الطيار النفسية العالية وهي تحقق قوله تعالى (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) محمد: 31، نعم للبلبل السوري بطل الحرية الذي يغني: حيث تكون الحرية يكون الوطن وأنه كما قال الأخطل الصغير: نفس الكريم على الخصاصة والأذى هي في الفضاء مع النسور تحلق وكما قال عمرو بن يحيى: الحزم قبل العزم فاحزم واعزم وإذا استبان لك الصواب فصمّم ومتى توافرت الإرادة سهلت الطريقة وتحققت المعجزات وكما قال زينون: كلنا نجذف في قارب واحد ويد الله مع الجماعة كما قال صلى الله عليه وسلم وإن مثل هذه الثوابت هي التي تعزز الثقة في النفوس حتى تلهم الآخرين وتقودهم إلى هذه الثقة كما قال غوته وهوراس وبهذا تعود سورية لشعبها قلعة حصينة أمام الغزاة والمغتصبين الجدد وان هذا الطيار الذي هو الشعب نفسه قد قام بواجبه القانوني الذي لا يقبل المخالفة كما قال فيكتور هيجو وقد أدى في أيام مشهودة وبهذا الموقف يستريح الضمير الذي هو المحكمة العادلة اليقظة في النفوس فياله من نجاح طار بجناحه طيارنا المغوار بطموح لا يشيخ. أما من الجانب الآخر فإنه قد عبر بحاله أكثر من مقاله عن رفضه ورفض شعبنا الأبي لأوامر الجلادين ومن في جيشهم من الإمعات والخونة وأسقط خطاب الرئيس القاتل الرافض للتصالح مع الأحرار والوطنيين وهنا جاءت اللاءات تترى فألف لا لقاتل الإنسانية المتوحش الذي لا يخجل من أي قبيح ثم يدعي الإصلاح، جاءت لا بكل صدق ليبين الطيار أن للمرء الحق في حرية أن يختار كسر القيود على ذل العبيد منشداً مع المتنبي: وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا وانه لا يمكن أن يشارك في قتل شعبه لأن مثل هذا الذوق السيئ هو الذي يقود إلى الجريمة في حقه وأنه المواطن الصالح الصادق الأمين وليس الخائن الذي يبيع الوطنية باللسان ويخالفها بالافعال كما قال قاسم أمين: إن الوطنية تعمل ولا تتكلم، أو كما قال بوالو: يمكن للمرء أن يكون رجلا دون أن يدمر الأرض، فهذا المسلك إنما يقوم في دولة الأشخاص لا دولة القانون، وألف لا للخيانة فمثل الذي يخون وطنه ويبيع بلاده مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللصوص يكافئونه كما قال نابليون، والخائن يكرهه الجميع ولكن الوضع للأسف اصبح كما قال غاستون اندربولي: كم خائن اليوم لا يشنق بل يشنق الآخرين، وإذا كان بشار قال في خطابه الأخير نقول للوطني وطني ولغيرالوطني غير وطني، فإن الوطني الحقيقي هو من عرف ربه ونفسه وشعبه وعند ذلك لن يضره ما يقول أي إنسان عنه طوبى لطيارنا الأسد الحقيقي ولمن يلحق به في درب البطولة في سورية وألف لا لمن يحكمون العباد والبلاد بلا إخلاص ويا شعبنا المصابر اهتف مع أبي تمام مثابرا على الثورة حتى النصر: إذا قلت في شيء نعم فأتمه فإن نعم دين على الحر واجب