16 سبتمبر 2025
تسجيلفي البداية دعنا لا نختلف على هوية وطن، تختص برموزها الرئيسية وبدلالاتها البطولية والتاريخية، بل وتحمل أساسياتها الثلاثية التي تميزها عن الآخرين. إذ إن اللغة والدين والثقافة ثلاثية لا بد وأن ترسخ وتصقل الانتماء إلى أبعد حد. بل هذا الأمر يعتبر الصورة الرمزية الخاصة حيث تنعكس على التعريف والانطباع العام. بالتالي، تظل رمزية الهوية جزءاً من دولة وبالتأكيد انعكاسها يظهر على الشعب على قدر فهم الشعب للهوية ومدى الانتماء لها. ولكن، من خلال هذا المقال سأحاول اسقاط المفهوم على المجتمع المحلي والتحديات التي تواجهه في فهم الهوية وانعكاساتها عليه، وانعكاساته على الهوية أيضاً، وأعتقد أن الجزء الثاني أهم من الجزء الأول، خاصة في ظل بعض الأحداث التي قد تكون غير واعية قيمياً، وضياع في الرمزية واندثار الخصوصية عبر الاضرار في العادات والتقاليد، الدين، والأخلاقيات التي ترمز للمجتمع المحلي كونه محافظاً ومتحليا بالأخلاق الحميدة على سبيل المثال. تأتي الإشكالية عند الانتماء للهوية تحت مساعي تطويعها لهوية الاغتراب، أو تغريبها عن الأساس، إذ ينتج عن ذلك اتساع المفهوم وتعريفه يبتعد عن الخصوصية لماهية متعثرة غير راسخة في أساسها. من هنا، قد تكون الهوية مجرد عباءة لانجرافات كثيرة تتأثر منها الأخلاق، والتشكيك في الدين، كما تخلق مساحة الحرية التي يقصد منها الاشهار وعدم مراعاة الخصوصية. حتى يصل الأمر إلى الادعاء واتهام الهوية بتقيدها للعادات والتقاليد على انها رجعية، في حين قد نلاحظ أن العادات والتقاليد استخدمت كعذر ليفسح المجال للإشهار للحرية من دون قيود تنعكس على ثلاثية الهوية وخصوصية الانتماء. ومن هذا المطاف تتأثر الهوية بمفهومها الخاص، ويضيع تأصيل ملامح الهوية في الشخصية المحلية، حتى ينتهي الأمر بالهوية أن تتحول إلى إشكالية ويبحث أطرافها المعنيون عن مكامن الثبات والتحولات بشكل مستمر. ودعنا لا نستهين في مبدأ الحرية وحدودها، ولكن أجد أن الالتفاف حول الثلاثية والتحايل على خصوصيتها من قبل الظاهر السطحي المكشوف يدل على تفكيك المبادئ الاجتماعية بشكله المعاصر. فمن يعمل بالسطحية وملامستها الواضحة للهوية برمزيتها وأساسها، يعني سيطرته على وسيلة كالإعلام الحديث، حيث استطاع من خلالها أن يكون واجهة رمزية وتصورية مغايرة جداً عن ملامح الهوية الراسخة. إذ ان الاشهار في الخطأ يعني دعمه من قبل المتجاوبين والمشجعين، وهذا الأمر بحد ذاته يدعم الاستمرارية على الرغم من توتر ردود الأفعال المضادة. حيث تغيب القيم في هذه الحال على مستوى الوسيلة التي غلب عليها ظاهر الانتشار والشهرة الواسعة. في هذه الحال، يجب أن ندرك بأن الهوية لابد وان تكتسب الرمزية الحضارية – القيمية التي لا تنسلخ منها خصوصية مجتمع حتى لو اختلفت الآراء عن مستويات الدين واللغة والوعي الثقافي، إذ تظل الهوية جزءا مهما جداً من عملية الوعي الأخلاقي لبناء مستوى الانتماء ووضع معايير تفوق اللا-أخلاقية في اشهارها. ولابد أن يكون الجزء الأكبر من الحل من خلال إعادة بناء وخلق إعلام ناضج، لأنه باختصار أصبح وسطاً شعبوياً وواجهة مكشوفة، حيث يغلبه الاستهلاك، ويستهدف مساعي الثراء، ويتباهى بالخطأ.