27 أكتوبر 2025

تسجيل

حصار قطر.. حسرة وندامة

24 مايو 2018

بعد منتصف ليل الأربعاء الرابع والعشرين من شهر مايو2017، الموافق 28 شعبان 1438 يظهر خبر مفبرك بثته قناة سكاي نيوز أبوظبي حول حضور سمو أمير قطر حفل تخريج إحدى دفعات الخدمة الوطنية، وإدلائه بتصريحات متنوعة حول علاقات قطر بإيران، وأن القاعدة الأمريكية في قطر لحمايتها من الجوار ضمن تصريحات أخرى لا محل لها من الواقع.    تتلقف الخبر فضائيات أخرى كان يبدو عليها الاستعداد التام لمثل هذا الخبر، وتجهيز البرامج والضيوف الذين بدأوا حواراتهم وقد بدا عليهم هضم المادة المعدة مسبقاً، ليبدأوا من فورهم سيناريو الهرج والمرج، لينتشر الخبر كانتشار النار في الهشيم، وتتلقفه جنود مجندة على وسائل التواصل ليقوموا بدورهم في توسيع رقعة انتشار الخبر إلى أقصى مدى ممكن، قبل أن يتنبه القطريون إليه فيقومون باللازم من إجراءات.  هذا ما حدث فعلاً بعد حوالي ساعة من بدء نشر الخبر الكاذب. يصدر مكتب الاتصال الحكومي بياناً ينفي كل ما جاء في الخبر. لكن القائمين على الحملة الإعلامية يتجاهلون النفي لفترة طويلة، قبل أن يتم نشره بعد ذلك ولكن مع كم كبير من الاستخفاف به لأجل التشويش على المتابع، بحيث لا يخرج من تلك الفوضى الخبرية سوى بنتيجة واحدة هي تصديق التصريحات المفبركة، دون أن يجد الوقت الكافي ليتأمل خبر النفي، وهذا ما حدث في تلك الساعات الأولى من فجر الأربعاء 24 مايو 2017، ليكون ذاك الخبر المفبرك، الشرارة الأولى لأزمة خليجية ستعصف بالمنطقة بعد قليل، وتتسبب في فوضى سياسية واجتماعية وإعلامية غير مسبوقة. حملة التشويش تنطلق من أبوظبي    هكذا إذن بدأت حملة إعلامية مبرمجة منطلقة من أبوظبي، لتصل الرياض سريعاً مع البحرين والقاهرة. فظهرت المواقع الإخبارية لكل من قناة سكاي نيوز أبوظبي والعربية والحدث، بشكل لا يمكن تفسيره سوى أن المادة المنشورة على واجهاتها من أخبار وتقارير، لابد وأنه قد تم إعدادها سلفاً، بل تحولت واجهة موقع قناة الحدث لتكون قطرية تماماً من كثرة الأخبار والتقارير عن قطر!   هذا الظهور المكثف والمريب لواجهات مواقع تلك القنوات، وكلها تنطلق من الإمارات، يفيد بما لا يدع مجالاً للشك أن التخطيط لهذا العمل أو هذه الحملة الإعلامية ضد قطر، قد تم تدبيرها سلفاً منذ فترة، وهذا ما تبين لاحقاً ضمن أحد المؤتمرات الصحفية لوزارة الداخلية القطرية، التي أوضحت كيفية حدوث الاختراق ومتى بدأ وكيف تم، إلى آخر القصة..   صباح الفبركة والتشويش   تشرق شمس يوم الخميس 25 مايو 2017 الموافق 29 شعبان 1438 والخبر المفبرك قد انتشر بشكل واسع على وسائل التواصل المختلفة، وما انتهى يوم الخميس هذا حتى صار الموضوع هو الخبر المهيمن على كافة وسائل الإعلام الخليجية وفي كل المجالس والدواوين في الخليج. ولقد غلب خبر الفبركة على خبر النفي بسبب كثافة المواد الإعلامية التي صاحبت وأعقبت الخبر المفبرك، خاصة بعد قيام السعودية والإمارات ومصر بحجب كافة المواقع الإعلامية القطرية في اليوم ذاته، في خطوة غير مسبوقة لكنها مفهومة، ما يدعم فكرة التخطيط والإعداد المسبق لحصار قطر.  حيث حجبت وزارة الثقافة والإعلام السعودية، كل المواقع الإعلامية والصحفية القطرية. كما قامت من جهتها السلطات الإماراتية بفعل الحجب أيضاً، وانضمت مصر إلى الدولتين. ونقلت صحيفة الوطن المصرية عن مصدر أمني مصري قوله إنه تم حجب 21 موقعاً إلكترونياً تبث من خارج مصر، وفي مقدمتها مواقع الصحف القطرية وغيرها من المواقع التي تبث من عدد من الدول، بزعم أن هذه المواقع تنشر الأكاذيب وتدعم الإرهاب والتطرّف!      بدأت الجهات الرسمية القطرية بعد قرصنة موقع وكالة الأنباء وحجب المواقع الإعلامية القطرية، بالتحرك الفوري لاحتواء الأمر من جهة، والبدء في التحقيقات الخاصة بالقرصنة من جهة أخرى، وقد عرضت دول شقيقة وصديقة التعاون مع قطر في التحقيقات الخاصة بالقرصنة. ثم كان على الفور ذاك الدعم ( الشعبي ) الخليجي المشهود، ووقوفه إلى جانب قطر ضد الحملة الإعلامية من جانب الثلاثي الخليجي (السعودية، الإمارات والبحرين) ومعهم مصر. وبرزت الأسماء الكويتية والعمانية وبعض الأسماء السعودية الإماراتية قبل صدور قوانين تجريم التعاطف والوقوف مع قطر في الدول الثلاث..    أشغلونا في رمضان      بدأنا شهر الصيام، والقلق يساورنا عما ستؤول إليه الأوضاع. المرء منا صار منشغل البال في صلاته وأثناء قراءته للقرآن. وصار نشاطنا الرمضاني الغالب هو تصفح مواقع التواصل والأخبار المختلفة.. يؤذن المغرب معلناً عن موعد إفطار أول ليلة من ليالي الشهر الكريم، فإذا بالناس تفطر وتصلي ثم تجتمع ضمن العادة العائلية المعتادة بعد الإفطار، لكن مع اختلاف الوضع. إذ ما كنت تجد بيتاً يتسمر أفراده كالعادة أمام شاشات التلفزة في تلك اللحظات ما بين المغرب والعشاء، لمتابعة برامج التلفزيون الرمضانية المعروفة، وإنما للحديث حول ما يجري على الساحة السياسية والإعلامية من تراشقات متنوعة، وكان معظم الوقت يمضي والعيون محدقة في الهواتف، تتصفح وتقرأ ما في تويتر، ومن ثم التنقل بين مجموعات الواتساب وسناب شات وغيرها.. وهكذا كان يمضي الوقت والليل كله ونحن في شهر القرآن، وقد أصابنا نوع من تكاسل عجيب نحو القرآن واستثمار ليالي رمضان..   التهور يزداد عمقاً   ثم بدأت الأمور تسوء أكثر فأكثر، وبدأ التهور يزداد عمقاً وفجوراً ليصل إلى حد إعلان الدول الأربع قطع العلاقات مع قطر، والبدء في حصارها براً وبحراً وجواً، في سابقة لم تعهدها منطقة الخليج في تاريخها الحديث..  حصار غير مبرر وظالم استمر إلى يوم الناس هذا، وقد انكشفت بفضل الله كل الأوراق، وصار الحدث معروفاً للقاصي والداني، وما هي أسبابه ودوافعه.. عام كامل على الحصار، لم يحقق الرباعي المتأزم مراده وبغيته، وإن انكشف واحترقت أوراقه وبانت نواياه على أرض الواقع. فيما قطر، حكومة وشعباً، فتحت لهم الأزمة مسارات ومجالات تم تأجيل السير إليها كثيراً، رغبة في دوام الود الخليجي والتكامل بين أعضاء كيانه، فتحولت قطر إلى ورشة ضخمة للعمل، والتوجه نحو الداخل بكل قوة ممكنة، واستثمار كل ما هو متاح للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من المأكل والمشرب وغيرها قدر المستطاع، والانطلاق نحو مزيد بناء واستقلال قرار، بعيداً عن تأثيرات وضغوطات الجوار..   خلاصة القول يمكننا في عجالة سريعة أن نقول بعد عام من الحصار ونؤكد، بأن قطر – كما قال سمو الأمير - بألف خير بدونهم.. جوار لئيم غادر، وضعنا تحت ضغط وتهديد وجودي كان يمكن أن يتحقق، لولا فضل الله علينا ووقوف دول صديقة معنا قلباً وقالباً، وانكشاف دول الحصار سريعاً، مع سرعة تصرف من جانبنا، والتي أنهت أحلامهم وتطلعاتهم سريعاً ومنذ الأسابيع الأولى.. وبدلاً من تراجعهم والاعتذار عما بدر منهم، ازدادوا غياً وفجوراً في خصومة مفتعلة، خلطوا الحابل بالنابل، وأشغلوا شعوبهم قبلنا بتفاهات من القول والفعل، ستكون شاهدة عليهم في قادم الأيام، من بعد أن تتحول إلى حسرة وندامة.. فهكذا المكر السيئ، لا يحيق إلا بأهله.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.