12 سبتمبر 2025

تسجيل

قمة العمل الإنساني العالمي .. هل حانت اللحظة الإنسانية؟

24 مايو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في ظل مشهد إنساني عالمي قد اكتظ بكل ما يمكن وصفه بالتحديات المعقدة والمترابطة في آن واحد من كوارث طبيعية وما تخلفه من أزمات ونزوح وتشريد مع ازدياد مطرد فيما أصبح يطلق عليه آثار تغييرات المناخ مثل كوارث التسونامي والفيضانات والزلازل المدمرة، ناهيك عن دورات الجفاف التي تتسبب في نفوق الكثير من الحيوانات والمراعي الخضراء وتقضي على الأخضر واليابس والتي دقت ناقوس الأمن الغذائي الذي غدا في خطر محدق ومحقق. ولا يتوقف المشهد الإنساني عند ذلك، فإن وتيرة النزاعات والحروب الأهلية والعنف المتطرف كالإرهاب بكل أشكاله وما يرافق ذلك من انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني الذي تساقطت كل أوراق التوت المتبقية من أشجاره من أطراف النزاع، في ظل حالة تسييس مستمر للمساعدات الإنسانية وتراجع احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان بين أطراف النزاع في مناطق كثيرة من العالم لاسيَّما في منطقة الشرق الأوسط مما يهدد الأمن والاستقرار ويحول دون تحقيق الحد الأدنى من الحماية كما هي الحالة في مناطق مثل مضايا وحمص وحلب وغيرها في سوريا، وفوق هذا وذاك استمرار تزايد آلام ومعاناة الأطفال والنساء من الدمار والعنف المفرط وويلات التشريد القسري وموجات اللجوء واسعة النطاق. ولا تتوقف التحديات عند هذا الحد وحسب فإن منظومة الاستجابة الإنسانية العالمية ذاتها لم تتمكن من القيام بدور فاعل وإيجابي في مواجهة تلك التحديات والأزمات كما ينبغي، فمن ناحية هناك أزمات ممتدة قد أصبح أهلها في حكم المنسي والتاريخ في ظل حالة لجوء مستعصية ناهزت نصف قرن تقريبا دون إيجاد حلول ناجعة ونهائية لأوضاعهم وما يواجهون من تحديات، ومن ناحية أخرى تتنافس المنظمات الدولية بما فيها برامج الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية على التمويلات والتي تصبح شحيحة من جهة في بعض الأحيان وتدار في أحيان كثيرة بطرق وأساليب غير كفؤة، فضلًا عن أنها تنم عن روح ابتكار وإبداع تسخر التكنولوجيا وعصر المعلومات والاتصالات لصالح استجابة ذات فاعلية ونجاعة عالية، كما أن التمويل المخصص من منظومة التمويل الدولية الإنسانية لمنظمات الجنوب لم يتجاوز 2% من إجمالي التمويلات للاستجابة الإنسانية، ورغم الجهود الكبيرة المبذولة من أجل تطوير نظم الاستجابة الإنسانية الطارئة وتوفير الموارد المالية والبشرية اللازمة، إلا أن العالم لا يزال يشهد تزايدًا أكبر في رقعة التحديات الإنسانية واتساع الفجوة بين قدرات وطاقات المنظومة الإنسانية العالمية على القيام بالاستجابة الفعالة وبين طبيعة ومستويات التحديات الإنسانية. أطلق الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون وبحكم صلاحياته عملية تشاورية واسعة النطاق والاختصاصات تشمل أطرافًا متعددة بما فيها ممثلو الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية الدولية والمؤسسات البحثية والمالية والقطاع الخاص وممثلو المجتمعات المتضررة ورجال الدين وغيرهم من الأطراف المعنية بغرض التباحث حول مستقبل المنظومة الإنسانية العالمية وقد استغرقت العملية التشاورية ثلاثة أعوام تقريبًا، وقد شارك في تلك المشاورات حوالي 23 ألف شخص حول العالم وبتكلفة بلغت 24 مليون دولار، اعتبرت أكبر عملية تشاورية تقوم بها الأمم المتحدة في تاريخها على الإطلاق ولكنها ليست عملية تشاورية بين الحكومات مثل قمة التنمية المستدامة التي عقدت في نيويورك في شهر سبتمبر من عام 2015م أو قمة أطراف المناخ في باريس في شهر ديسمبر 2015 م. اشتملت التحضيرات للقمة الإنسانية العالمية على ثمانية مشاورات إقليمية على مستوى العالم وثلاثة مشاورات على مستوى الخبراء الدوليين بالإضافة إلى المشاورات الموضوعاتية والمفتوحة عبر الشبكة العنكبوتية وقد تم الخروج بتقرير أطلق عليه التقرير التجميعي للقمة الإنسانية العالمية وبناءً على ذلك أصدر الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون تقريره الذي يلخص رؤيته حول المنظومة الإنسانية العالمية كخارطة طريق نحو المستقبل، وتبدأ أعمال القمة الإنسانية في إسطنبول 23-24 من شهر مايو القادم عام 2016م. يرى الأمين العام للأمم المتحدة ضرورة تحلي القيادات السياسية في العالم بمسؤولية تجاه إنهاء النزاعات السياسية ومنع نشوبها وذلك أن الإنسانية يجب ألا تستمر ضحية التقاتل من أجل الأطماع السياسية وأن يتم تجنيب الإنسانية ويلات النزاعات عبر التفكير في طرق وبدائل تنهي النزاعات والعنف المصاحب عبر الوساطات الدبلوماسية والعمل بالوسائل السليمة الكفيلة بوضع حد لتلك النزاعات، ويحث الأمين العام قادة وزعماء العالم على التعهد من أجل هذه المسؤولية الأساسية.وإن لم يكن بد من النزاع والاقتتال فعلى جميع أطراف النزاع التمسك بالمعايير الإنسانية وصيانة القواعد والمبادئ الخاصة بالعمل الإنساني والامتثال للقانون الدولي الإنساني وهذه هي المسؤولية الثانية التي يؤكد عليها الأمين العام. ولما كانت النزاعات تخلف وراءها التشريد القسري واللجوء فإن الأمين العام يذكر المجتمع الدولي بالمسؤولية تجاه ألا يتخلف وراءنا أحد وألا يتم إغفال أحد في ظل مرحلة تجاوز فيها اللجوء في العالم أكثر من 60 مليون شخص تقريبا وهو رقم غير مسبوق، وتترافق حالات النزاعات بالعديد من جرائم الاضطهاد والاستغلال وبالخصوص للفئات الضعيفة واستغلالهم بأشكال منافية للإنسانية والأخلاق. ويشدد الأمين العام في المسؤولية الأساسية الرابعة على ضرورة تغيير حياة الناس والتحول من تقديم المساعدات إلى إنهاء العوز والحاجة وهذا يتطلب وجود إستراتيجيات تربط العمل الإغاثي العاجل والآني بالعمل التنموي الطويل المدى، وبالتالي يتم سد الفجوة الراهنة في المنظومة الإنسانية في الأزمات الممتدة والطويلة والتي يتم التغافل عنها ولا يتم وضع حلول نهائية لها وتصبح كالخاصرة الرخوة التي تنتقل من حالتها الأولى إلى حالة جديدة تتعافى من الماضي وأثقاله.ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة في المسؤولية الأساسية الخامسة على ضرورة الاستثمار في التنمية البشرية وتطوير نظم التمويل الإنساني مع التشديد على الشفافية المالية وابتكار وسائل جديدة لتجاوز أزمات عجز التمويل الإنساني. يأتي انعقاد قمة العمل الإنساني في ظل انتقادات حادة قد تم توجيهها إلى الأمم المتحدة نتيجة عجزها الكبير في إيصال المساعدات في سوريا على وجه الخصوص، وعدم التمكن من إيقاف تدمير المستشفيات والمقرات المدنية من الروس والنظام السوري، خصوصا ما شاهده العالم في حلب وغيرها من انتهاكات خطيرة وجسيمة ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، وقد احتجت منظمة أطباء بلا حدود وقررت الانسحاب من القمة في بيان ألقته في مجلس الأمن قبل فترة وجيزة من انطلاق أعمال القمة وذلك لعدم ثقتها من مخرجات ونتائج القمة بما يمكن أن يسد الرمق أو يوقف الرقع الذي اتسع على كل راقع. وعلى الدول العربية والخليجية والمنظمات الإنسانية أدوار كبيرة إنسانية مرتقبة من أجل الإسهام في تغيير واقع الإنسان العربي في ظل أوضاع كارثية وعنف شديد وتوحش خطير لم يمر به العالم من قبل، ولعلي أختم فأقول: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.