20 سبتمبر 2025
تسجيليوم أن كنا نجد بعض الوقت ليلاً، ونرفع الرؤوس نحو السماء لنشاهد بديع خلق الله من نجوم وكواكب، وجدتنا نتأمل ونستشعر عظمة الخالق، فتجد القلوب وقد شُحنت بشيء من الإيمانيات التي تكاد لا تستقر، بل تتبخر سريعاً لانغماسنا الشديد في دنيا زائلة لا محالة، فكانت المحاولات متكررة ومستمرة لعملية الشحن، والتطلع إلى السماء كانت واحدة من الوسائل الناجعة، في وجود بعض السعة من الوقت للالتفات إلى النفس واحتياجاتها الروحية. لكن منذ أن ظهرت على الوجود وسائل الاتصال المختلفة، زاد انغماسنا في الدنيا أكثر فأكثر، وانحنت رؤوسنا ومالت نحو الأرض، أو تحديداً نحو الشاشات الصغيرة العجيبة، الجاذبة للقلوب قبل العيون، فصرنا كنتيجة طبيعية لذلك التحول، لا نكاد نجد ذاك الوقت القديم الذي اعتدنا فيه رفع الرؤوس والعيون نحو السماء، فبقيت مائلة منحنية نحو الشاشات البيضاء الصغيرة.كانت السماء قديماً فرصة للتأمل وشحن النفس وتقوية الإيمان، وكانت تكفي لذلك الشحن الإيماني، دقائق معدودات من النظر إلى أعلى، وتأمل ضخامة السماء الدنيا، التي يقول علماء الفلك بأن قطرها حوالي خمس ساعات ضوئية، والساعة الضوئية الواحدة تساوي المسافة التي يقطعها الضوء في ساعة واحدة، أي مليار كيلو متر، بمعنى أن قطر هذه السماء التي فوقنا حوالي خمسة مليارات كيلومتر فقط! سبحان الخالق. هذه سماء واحدة فما بالك بالست الباقيات؟إن عدنا إلى السماء الدنيا وخرجنا من المجموعة الشمسية لندخل عالم المجرات، فالأمر مذهل ولا يكاد العقل يستوعب. فأي عقل يستوعب أو يقدر على أن يتخيل المسافات التي بين المجرات، وفي الكون بحسب تقديرات العلماء، حوالي عشرة تريليونات مجرة!! والمسافات بين الأجرام السماوية بملايين السنوات الضوئية، والسنة الضوئية الواحدة تعني حوالي تسعة تريليونات كيلومتر!!إنك أمام مشهد خيالي. مشهد يزيد القلب المفعم بالإيمان إيماناً وخشوعاً، فيما الفارغ منه يزداد فراغاً ووحشة. وكلما ضاقت نطاقات الرؤية للعيون البشرية، ضاقت النفوس والقلوب كذلك، ونكاد نخشى ألا نرى أبعد من أنوفنا بعد حين من الدهر قليل، ما لم نتنبه ونرفع الرؤوس مرة أخرى نحو الأعالي، بدلاً من ذاك الميلان المبالغ فيه نحو الأدنى فالأدنى."ربَّنَا مَا خَلقتَ هَذا بَاطِلاً سُبحَانكَ فِقنَا عَذابَ النار".