14 سبتمبر 2025

تسجيل

الانتخابات أم المصالحة.. أيهما أولا؟

24 مايو 2012

 بالرجوع إلى نص اتفاق القاهرة الموقع بين حماس وفتح الأحد الماضي 20 / 5 والذي يفترض أن يبدأ تنفيذه على أرض الواقع الأحد القادم 27 / 5 سنجد أن الانتخابات التشريعية والرئاسية المتفق عليها خلال ستة أشهر منه هي جوهره ومقصده وسدته وعدته، وسنجد أن الاتفاق تناولها بالتصريح وبالتلميح وبالتضمين وبالتقنين.. هذا المعنى تأكد أكثر في تصريحات عزام الأحمد وتصريحات الوسيط المصري التي انصبت كلها على الانتخابات كمدخل أوحد وأساس أمجد لكل المصالحة؛ أما بقية قضايا المصالحة فإما لم تذكر أو أنها ذكرت كمقدمات أو كمعقبات على تلك الانتخابات وبما لا يزيد عما يمكن اعتباره رتوشا تجميلية..  ولنا أن نتساءل: هل الانتخابات هي كل ناتج الاتفاق؟ وهل هي العلاج الأمثل والحقيقي للانقسام الذي تعاني منه القضية وكل بيت فلسطيني حتى تأخذ كل هذا الاهتمام والأولوية؟ وإذا كانت الانتخابات على هذا القدر من الأولوية والإستراتيجية فما الحال لو أن الاحتلال لم يسمح بها أو قام بتشوهها وبتعثيرها باعتقال المرشحين ثم النواب كما يفعل الآن بحق نواب حماس وبحق المجلس التشريعي الحالي؟ وهل ستجري بالشكل الصحيح الذي يعبر عن الاختيار الحقيقي وعن إرادة الشعب الفلسطيني بشكل لمصيره ولقيادته التي ستوصله؟  الحقيقة أن كل مخلص يتمنى أن يكون اتفاق القاهرة هذا فرصة حقيقية للمصالحة.. ولنتفق منذ البداية على أن أي عنوان للمصالحة وأي مدخل لها سواء كان الانتخابات أو كان مجرد لحظة مصافحة أو مبادلة ابتسامة بين الطرفين فهو مطلوب ومحمود بالأخص إذا نظرنا لنوعية الخلافات التناقضية والتصارعية بين الحركتين، وإلى التدخلات البعيدة والقريبة عليها، وإلى ما انبنى وتأسس على تلك الخلافات من اتجاهات ومؤسسات واستثمارات، وإذا نظرنا لقدرة كل طرف على حماية مكتسباته من الانقسام بقوته وإمكاناته، وإلى قدرته على الامتناع عن المصالحة وعن تقديم تنازلات فيها..  الانتخابات بهذا المعنى وفي هذا السياق معنى جميل يخشى كل أحد أن يلقي عليه شبهة أو شكا ؛ لكن - في المقابل - ليس يجوز أن يحملنا الإحساس بنشوة الاتفاق على استعظام واستكثار كل خطوة في هذا الاتجاه لمجرد أنها ترفع لافتة جميلة.. خاصة وأننا رأينا عشرات اللقاءات والحوارات والإعلانات السياسية من قبل في ذات السياق ومن ذات الأطراف وبذات الوسطاء والموقعة منها والشفوية وما عليه كفلاء وما خلا منهم.. وفي كل مرة كنا نقول هي هي.. ولعلها الأخيرة .. ثم نفاجأ بأنها تنتهي إلى صفر كبير وربما دارت عكسا وارتدت سلبا..  وأقول: مع أن الانتخابات ليست هي الأولى ولا هي المدخل الصحيح للمصالحة إلا أنها أقل الممكن والواقع الآن ولا بد من وضعها في عين الاهتمام والسعي إلى إنجاحها.. وحتى يتحصل ذلك فإن على الطرفين أن يصنع كل منهما لها سياقا يقوم على بناء الثقة الحقيقية وتوطيد التسامح الحقيقي.. وليس على المغالبة والمخادعة والتوريط ..  وحتى يكون ذلك فلا بد أن يكون كل طرف مقتنعا بحد معقول من حقوق ومطالب الطرف الآخر.. ذلك سيجعله مقنعا بصدقية الإقبال على المصالحة، وبصدقية أن الانتخابات ستقع في سياق المصالحة لا المغالبة ولا المغامرة .. وعليه فلا بد من التوقف عن الاعتقالات السياسية ولا بد من حل الإشكالات المتعلقة بذلك والعالقة فيه، ولا بد من وضع تصورات منطقية لما بعد الانتخابات تعلي قيمة الوحدة الوطنية والمقاومة وتعطي حق ممارسة العمل السياسي في هذا السبيل..  هنا يأتي الحديث أيضا عن أداءات سابقة في انتخابات محلية ونقابية وعن اعتداءات على مؤسسات المجتمع المدني وعن تعامل غير صحيح ولا منطقي مع نواب الدورة السابقة والذين لا يزالون تتجاهلهم السلطة.. لا بد من إعادة تصويب التعامل مع المجلس التشريعي لإعطاء الانطباع باحترام الديمقراطية ونواتجها.. ولعل الفرصة الآن سانحة من خلال عرض الحكومة المقترح تشكيلها آخر الشهر الحالي عليه ومن خلال عقد جلسات ولو من قبيل تصدير رسالة الثقة التي نتحدث عنها.. هذا مطلوب من فتح في الضفة كسلطة ومن فتح في غزة كنواب ومشرعين..  الحديث عن الثقة لا بد أن يطاول أيضا أولئك الذين عودونا أنهم ينشطون في التحريش بين الفريقين كلما اقتربت بصائص أمل المصالحة؛ لا بد من إيقاف ومحاصرة أفعالهم وتخريباتهم.. هؤلاء المخربون يبدو أنهم لن ينتظروا حتى يوم 27 / 5 القادم – موعد بدء تنفيذ الاتفاق – فقد بدأ تخريبهم باكرا ؛ ففي طولكرم، اقتحمت قوة من جهاز " المخابرات العامة " مساء الأحد (عشية توقيع الاتفاق) مخيم طولكرم وداهمت منزل الشاب " أحمد عواد " واعتقلته وهو أسيرٌ محررٌ من سجون الاحتلال وسبق أن اعتقل سابقا لدى أجهزة السلطة على خلفيات سياسية لا أمنية.. وفي نابلس اقتحم جهاز "الأمن الوقائي "بلدة " تل " جنوب غرب المدينة وقام باعتقال الأسير المحرر "معاذ يوسف ريحان " وهو شقيق الشهيدين محمد وعاصم ريحان علماً بأنه معتقل سابق ولعدة مرات من قبل أجهزة أمن السلطة.. واقتحم الجهاز منزل الطالب في كلية الخضوري "مثنى اشتية " في محاولة لاعتقاله لكنه لم يكن متواجداً بالمنزل (يذكر أن مثنى مختطف سابق لأكثر من 10 مرات من قبل أجهزة أمن السلطة).. وفي جنين، قام جهاز الأمن الوقائي باعتقال الدكتور " أحمد سعيد عزام " وهو محاضرٌ في جامعة القدس المفتوحة.. الاعتقالات هذه غيض من فيض وهي تتكرر كل يوم ولكن ميزتها اليوم أنها تأتي فورا بعد توقيع الاتفاق في القاهرة.. وعليه فلا بد من إيقاف تخريب هؤلاء لتتوطد الثقة وتتحقق الانتخابات في أجواء صحية وشفافة ونزيهة.. وحتى يثق الجميع بأن الوصول للانتخابات هو وصول للمخرج من الانقسام وفاتح وحدة وطنية لا وصولا لخديعة وتزوير ولا ليؤجج ما تبقى من عداوات كامنة..  آخر القول: ليست الانتخابات هي الطريق الأمثل أو الأوحد للدخول إلى الوحدة الفلسطينية بعد كل هذا المشوار الطويل والعاثر من الافتراق والاختراق والاحتراق.. ولكن ؛ أما وقد اتفق عليها فلتقم على المصالحة والمجاملة الحقيقية وعلى التسامح والجوامع المشتركة وليس على المغالبة والمناكفة وتعلية الفوارق..