04 نوفمبر 2025

تسجيل

الحوار هو الأصل..والقتال استثناء

24 أبريل 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ساعة تتعثر المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام في جنيف وساعة يصطلح حالها. يخرج علينا كلا الطرفين يشترطون وينددون ويتوعدون ويهددون بوقف المفاوضات. وحده المبعوث الدولي الخاص بسوريا ستيفان دي ميستورا يواصل مساعيه ويؤكد أن المفاوضات مستمرة، وأن الهدنة الهشة قائمة رغم الخروقات. وقد تبين بعد خمس سنوات سالت خلالها دماء مئات الآلاف وتشرد الملايين في أصقاع الأرض، وتدمرت مناطق شاسعة من سوريا، تبين أن النقطة الخلافية هي مصير رئيس النظام بشار الأسد. فالمعارضة تصر على خروجه من الواجهة –دون اشتراط محاسبته- فيما يصر النظام على بقائه طالما أنه يحظى بثقة السوريين من خلال نتائج انتخابات معلّبة.وضع شبيه بالأزمة السورية باتت عليه الأزمة اليمنية، وإن كان ما شهده اليمن أقل حدة ودموية مما شهدته سوريا. فالكويت تستضيف مفاوضات بين الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي من جهة وجماعة أنصار الله والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من جهة أخرى، تهدف لإنهاء الصراع الدائر وإيجاد مخرجات مشتركة ترضي الجميع، وربما نشهد في قادم الأيام اتفاقًا بين الجانبين ينهي مسيرة طويلة من القتال والدمار. جميع الصراعات والحروب التي دارت حول العالم، كانت خاتمة معظمها بجلوس المتصارعين حول طاولة واحدة، والحوار بينهما سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن المؤسف هو أن هذه القناعة يصل إليها الكثيرون في وقت متأخر. فتخيلوا معي لو أن أحدًا رفع الصوت بعد أيام أو أسابيع من التظاهرات التي انطلقت في مدينة درعا السورية قبل خمسة أعوام واقترح الحوار مع النظام السوري. دعوة كهذه كانت ستعود على صاحبها باتهامه بالخيانة والمتاجرة بدماء آلاف الشهداء والمعتقلين، ويكون الجواب الجاهز أنه لا حوار مع نظام مجرم سفاح يقتل شعبه، وأن الثورة مستمرة حتى النهاية فإما النصر وإما الشهادة، وأن السوريين بدؤوا ثورة لا رجعة فيها حتى القضاء على النظام. اليوم بعد خمس سنوات من المعاناة والقتل والتدمير، وفي ظل المفاوضات القائمة في جنيف لم نعد نسمع هذه العبارات، أو على الأقل باتت أقرب إلى الهمس. نعود للأزمة اليمنية مجددًا. حين بدأ التمدد الحوثي يزحف من جبال صعدة مرورًا بتعز وصولًا لاحتلاله العاصمة صنعاء. لم يكن من المنطق الحديث عن حوار ومفاوضات في ظل تعنت الحوثيين وإصرارهم على الانقلاب على الشرعية التي أفرزتها صناديق الاقتراع. المحطة المفصلية كانت في قيام التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية التي قدمت عونًا عسكريًا لليمنيين، مما أحدث توازنًا في الصراع، ودفع الحوثيين للرضوخ والقبول بالحوار -الذي ترعاه الكويت مشكورة- وهو ما كانوا يرفضونه سابقًا، والحديث الآن يجري عن انتقال سلمي للسلطة، وأن تتمثل جميع الأطراف في الحكم.ما أود الخلاصة إليه، هو أن الحلول السياسية هي النهاية التي يجب أن يسعى إليها الجميع، حرصًا على دماء شعوبنا ومقدرات بلادنا وخيراتها. فلا شيء اسمه حرب مستمرة إلى ما لا نهاية، لأننا بذلك نفني أنفسنا ونفني الآخرين، وهو أمر ربما شهدته البشرية في صراعات القرون الوسطى وما قبلها، لكن في أيامنا هذه لا بد من نافذة يمكن المرور من خلالها للوصول إلى صيغة مشتركة تنهي الصراع والنزاع. فدماء شعوبنا غالية، وأعراض نسائنا غالية، وأرضنا وكرامتنا وحريتنا كلها أمور لا تقدر بثمن. فالحروب والصراعات والتقاتل هي سبيل من لا سبيل له، لكنها ليست هدفًا ولا طريقًا ولا منهجًا، فليس من المنطق الاستمرار في صراع لا أفق له، فقط انسجامًا مع شعارات رنانة وخطب حماسية عاطفية لا تستند لعقل أو منطق.هذا لا يعني السعي للحوار والتفاوض في أي وقت ومهما كانت الظروف وأيًا كان الثمن. فالحوار يكون مطلوبًا في اللحظة التي يكون فيها صاحب الحق قادرًا على أخذ حقه بالحوار كما بالحروب، بل حينها يكون لازمًا وواجبًا. أما حين يكون الحوار خضوعًا للطرف الآخر واستسلامًا لشروطه دون أي مكسب حقيقي، كحال المفاوضات الفلسطينية مع إسرائيل، حينها فقط يمكن القول إن استمرار الصراع والقتال خير من التفاوض.