15 سبتمبر 2025
تسجيلصعد الخطيب المسن إلى المنبر وبدأ في إلقاء خطبة الجمعة، كان واضحا أنه ملتزم بالخط الفكري للتيار الذي استضافه، فعلى مدار خطبته، لم ينتهك الخطوط السلفية الحمراء، فلم يدع المصلين مثلاً إلى التقرب بالأولياء، ولم يشجعهم على التبرك بالأضرحة، ولم يتناول مشايخهم بالنقد، ولكنه رغم ذلك ارتكب خطيئة وحيدة تمثلت في أنه تطرق للشأن السياسي الداخلي، فأبدى تعاطفه مع الرئيس المصري، وحاول أن يقنع الناس أن محاسبة الرئيس بعد مرور أشهر قليلة من ولايته ليست من العدل في شيء، خاصة أن أوضاع البلاد من السوء بحيث تحتاج إلى أضعاف هذه الفترة قبل أن يتمكن هو أو أي رئيس آخر من إصلاحها. وضرب المثل بشخص نبي الله يوسف، عليه السلام، والذي احتاج، رغم كونه نبيا من عند الله، إلى خمس عشرة سنة حتى يحقق مشروعه الإصلاحي. كانت هذه "التجاوزات" كافية لكي يفقد "الإخوة" في المسجد صبرهم، وينسوا أن الخطيب مشترك معهم في نفس الأرضية الفكرية، فتجمعوا عقب الفراغ من الصلاة وواجهوه "بأخطائه"، وكان أبرزها هو ما قام به من "تشبيه الرئيس المصري بنبي الله يوسف"، وهذا وفقا لهم مما "لا يجوز"، خاصة أن المسجد هو مكان للعبادة، وليس مقرا من مقرات الإخوان حتى يتم الترويج لأفكارهم فيه. وكانت النتيجة أن منع الخطيب عن خطبته الشهرية وتم تخصيصها لداعية آخر، لا يتحدث في السياسة بل لا يتحدث في أي شيء ذي معنى مترابط في حقيقة الأمر. لقد كان من المفهوم أن هذا الخطيب لم يشبه الرئيس المصري بنبي الله يوسف، وإنما أراد فقط أن يستعير جانب المدى الزمني اللازم لتنفيذ الإصلاحات الكبرى، ولكن من المفهوم أيضا أن الصدور محتقنة، وردود الفعل عصبية ليس بسبب هذه الخطبة ولكن بسبب عدد من المواقف التي تصادم فيها الفصيل السلفي مع الفصيل الإخواني من قبل، أبرز هذه المواقف: قيام الرئيس الإخواني بإقالة مستشاره لشؤون البيئة والعضو البارز في حزب النور السلفي، الدكتور خالد علم الدين، بطريقة اعتبرها السلفيون مهينة لهم ولممثلهم في مؤسسة الرئاسة. رفض الرئاسة (الإخوانية) للمبادرة التي اقترحها حزب النور للخروج من الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد. ثم جاءت الطامة الكبرى للسلفيين عندما سعت الرئاسة والجماعة لتحقيق نوع من التقارب المصري الإيراني، الأمر الذي دق ناقوس خطر لم يكن ليسكت التيار السلفي إزاءه بطبيعة الحال. وهكذا فتح السلفيون جبهة النقد على مصراعيها، وتخلوا عما كانوا يلزمون به أنفسهم من دبلوماسية في نقدهم لمواقف الرئاسة والحزب والجماعة. بل وأصبحوا في صدارة من يحذر من موضوع أخونة الدولة، ويتهم الإخوان صراحة بتقديم اعتبارات الثقة على معايير الكفاءة عند اختيارهم شاغلي الوظائف العليا في الدولة. وازدادت الأمور احتقانا عندما بدأ المتحدث الرسمي باسم حزب النور في تخصيص سلسلة مقالات لانتقاد أداء الرئيس، واصفا إياه بالعناد السياسي خصوصا فيما يتعلق برفضه تغيير الحكومة أو إقالة النائب العام. شباب جماعة الإخوان من جانبهم شحذوا أسلحتهم استعدادا للرد، بعد أن اعتبروا أن النقد العلني الذي مارسه السلفيون تجاه قياداتهم بمثابة طعنة من الخلف، خاصة وهم يستشعرون أن جماعتهم مستهدفة في هذه المرحلة، وأن هذا مما يستلزم تكاتف الجميع معهم من أجل عبور موجة النقد العاتية التي تتهدد المشروع الإسلامي الذي من المفترض أنهم يعبرون عنه. وبالفعل بدأ شباب الإخوان بالرد بكل الأساليب، مشعلين حرب تعليقات ساخنة على صفحات المواقع السلفية قوامها التسفيه والسخرية والنقد الذي لا يرحم، ولا يراعي في كثير من الأحيان قواعد الحوار الإسلامي الإسلامي. وفي إطار سياسة الردع الإلكتروني لجأ الإخوان إلى استخدام أسلوب التبكيت لمهاجمة منتقديهم، عبر توجيه التساؤلات الآتية: أين كنتم عندما كنا نسجن ونعتقل ونعذب؟ وأين رصيدكم من العمل السياسي وقتما كنتم تكفرون الديمقراطية وتعتبرون المشاركة في الانتخابات من المحرمات، إلخ. ومن ناحية أخرى يصف الإخوان أقرانهم السلفيين بالجهل بقواعد السياسة العملية التي تختلف عن مبادئ السياسة النظرية التي يعتنقها حزب النور، كما يعير شباب الإخوان السلفيين بضعف الوعي السياسي، وعدم امتلاكهم الخبرة الكافية، ويلمح البعض منهم أن هذا ربما يكون هو المبرر الذي على أساسه تمت الإطاحة بمساعد الرئيس خالد علم الدين، والذي يبدو أن اقترابه من ملفات الدولة على نحو غير حرفي كان على وشك أن يورط الدولة في مسائل حساسة. على أية حال، من المفترض أن يؤدي النقد المتبادل بين أطراف الديمقراطيات الناشئة إلى ثراء التجربة السياسية، ولكن أن يتحول هذا النقد إلى حالة من الخصومة والتربص فإن هذا ما ينذر بفشل تجربة الإسلام السياسي الآن وفي المستقبل. خصوصا أن الخلافات المثارة تبدو أضخم مما استطاع الإسلاميون تحقيقه من إنجازات، وهذه الأخيرة مازالت قليلة، أو لا تكاد تذكر. ولذا فإن من المهم أن يتم التنبه لظاهرة الاستقطاب السلفي الإخواني قبل أن تخرج على السيطرة، خاصة أن مؤشرات الصدام تبدو مرشحة للتزايد بفعل تدخل الإعلام الذي وجد في الانشقاقات بين الفصيلين الإسلاميين مادة ثرية لتأجيج فتنة جديدة تزيد سخونة وخطورة المشهد السياسي العام في مصر.