18 سبتمبر 2025
تسجيلكانت بوادر الأزمة المالية العالمية الأخيرة جلية بعض الشيء خاصة في المنحى الانحداري للاقتصاد الغربي والأمريكي، ولكن هذا الاتجاه والذي شكك فيه البعض أو تجنبه البعض الآخر أو كابر أخذ يتجلى ويتضح من خلال تطور الأزمة التي فضحته مؤسسات الغرب بمدى تغلغل الفساد في نسيج ممارساتها، فاتضح حجم الديون الوهمية ومدى النفاق في رفعها وحكوماتها ومؤسساتها شعارات محاربة الفساد، ولكن الدرس كان كارثيا وهو الأجدر بالوعي لمدى خطورة الفساد والتستر عليه أو التعايش معه، وقد يكون المستفيد الأكبر من هذا الدرس هو العالم الثالث لأنه رأى بأم عينه ماذا يعني الفساد وكيف ينخر في أساسات الدول والأمم ويحولها من أمم غنية ورائدة إلى أمم تستجدي وتعاني جملة من المشاكل لا تستطيع لها حل، مما يدخلها نفق المعضلة، فإن هي جمدت الإنفاق لتقليص العجز تراجع الاقتصاد، وإن هي رفعت الإنفاق لزيادة دخل الضرائب ازداد العجز، وقد تفقد الجدارة الائتمانية في الأسواق العالمية، فإن محاولات تقليص الميزانية أثارت غضب الشعب ودخلت في مشهد اجتماعي تغلب عليه الإضرابات والسخط الشعبي، ظلت الأزمة المالية تراوح في مكانها والعالم يتهاوى، وكلما ظهر بصيص من نور ودخل الأمل قلوب المراقبين والعامة اتضح أن طريق الخلاص طويل، ولم يتوقف صدى ترددات الأزمة بعد. فهناك أصول لدى البنوك الغربية والأمريكية يجعل مجرد التفاؤل سذاجة وأن الأمر لم يستقر بعد، وتبع ذلك نشوء ضغوط على بلدان الاتحاد الأوروبي ومازلت وقد تتطور إلى تفكك الاتحاد الأوروبي، والأسباب كثيرة ولكن لا يتسع الحديث عنها هنا. تبع ذلك المرحوم أبو عزيزي فتيل الحرية الذي أشعل ومن ثم فجر الحراك السلمي في الأمة وفي الوطن العربي، وفي ظروف كهذه استمر التعامل مع الأوضاع وكأن شيئا لم يكن وظلت الفجوة بين أصحاب القرار والمواطن في اتساع ولم تكن في يوم من الأيام في تقارب إلى من رحم الله واختط طريق الكرامة والعمل العربي واحتضان المواطن منهجا ومسارا، نعم ارتفعت معدلات البطالة في العالم العربي وإن كان محفزا إلا أن مطالب المواطنين كانت واضحة الحرية الديموقراطية دولة المؤسسات محاربة الفساد وفصل السلطات، وأن الشعب هو مصدر السلطات والتشريع، فخرج القادة ولكن دون أن يسمعوا أو أرادوا ألا يسمعوا للمحافظة على ما اعتقدوا أنهم يمكن أن يحافظوا عليه، فبدأت الأنظمة تتهاوى وذلك لأن ما تبقى من ثقة أهدر في خطب جوفاء يستشف فيها المواطن الالتفاف على مطالبه والتصغير من شأنه ومحاولة الاستمرار في منهج الوصاية عليه، فإن فشل النظام في استدراك ما خسره استدرج المواطن للعنف واستفزه عسى أن يستميل العسكر لجانبه إما لأدوات العنف أو لرفع غطاء الشرعية عن مطالبه، ولكن الشعوب أوعى فظلت ترفع شعار السلمية حتى بكى العالم وهو يشاهد هذا الإنسان يسحق ولكنه صامد لا يلين ولا ينتقم لما حل به ويظل يرفع صوته سلمية سلمية سلمية، لقد غير الإنسان العربي في شهور ما دأبت على ترسيخه الآلة الغربية والأمريكية والصهيونية من حب العربي للعنف وكرهه للديموقراطية وتعلقه بالفوضى، ولكن مشاهدة العالم وحضوره المتواصل من خلال الإعلام وخاصة الجزيرة قلب الصورة ومعها ما رسم خلال القرون الماضية، خاصة الستين سنة التي بنى الكيان المسخ في قلب الأمة بوعود من لا يملك لمن لا يستحق. إذا نحن أمام مشهد جديد في العالم العربي يتطلب من الأمة إعادة أولوياتها والتي بنته على الاعتقاد بالعجز إلى أولويات تضع الوطن وإرادة المواطن على رأس الأولويات وهنا نقصد الممارسة ويأتي الحكم على النتائج، وهنا لا يسعني إلا المطالبة بإنشاء صندوق إعمار وتنمية عربي تساهم دول الخليج فيه بدور الأسد وتشارك المؤسسات العالمية والدولية والقطاع الخاص، يقوم على أسس استثمارية وتستفيد منه الدول العربية حسب نسب يتفق عليها، وكما عهدنا قطرنا رائدة مبادرة للخير وخير الأمة أملنا كبير أن تكون دولتنا الحبيبة هي المؤسس والداعم، الإخوة العرب والأنظمة الشعبية الحديثة ستحتاج الكثير من الدعم، ولكن ما تملكه شعوب المنطقة هو ما تفتقده الدول الأخرى، الشباب المتعطش للعمل وللبذل في اقتصادات ناشئة ستحتاج الكثير والكثير من الاستثمارات وفي الوقت الذي تبحث الصناديق السيادية الخليجية عن أماكن استثمار اليوم ليس هناك أفضل من المنطقة العربية، فالتغيرات الهيكلية في أنظمة إدارة الدولة في العالم العربي أنتجت ظرفا ومناخا اقتصاديا استثماريا بامتياز، فأنا لك الظفر بالمردود والقربى ولم يتأت زمن كهذا وإن بشرنا بنهضة عربية اعتبرها البعض إغراقا في التفاؤل، أقول أصبح واقعا ولكن ليتحقق لا بد من العمل والعمل بسرعة لدعم الوطن العربي بالسيولة التي يحتاجها ليستعيد نشاطه ولتدب الحياة فيه من جديد، ولكن وكما سبق ذكره أن الوطن العربي أصبح مهيأ لأن يكون ملاذا آمنا للأموال والاستثمارات العربية، لأن كل ما كان يعيق الاستثمار في الوطن العربي تم اجتثاثه وأصبح منطقة جذب للاستثمار عالية المردود منخفضة المخاطر متوافرة الموارد سريعة النمو فقيرة لكلما يمكن بذره فيها وفي تربتها الخصبة القادرة على إعطاء أفضل الإنتاج. إنشاء صندوق أعمار عربي يرتكز على المعايير الاستثمارية، ويمهد لمرحلة ما بعد النظم السلطوية والدكتاتورية ضرورة ملحة من أجل خلق مناخ يسمح للشباب العربي من العيش بكرامة ويبدع ويساهم في الحضارة العالمية ويكون جزءا منها، وفي هذا توفير وظائف يحتاجها العالم العربي لرفع مستوى المعيشة وحتى تتمكن المجتمعات العربية من العيش في أمان واستقرار، وللمستثمرين أفضل مردود على رأس المال، فالبلدان العربية هي الأقدر على النمو، وهي التي تملك الشرائح الأكبر من الشباب مقارنة باقتصادات العالم، ولذلك فهي الأفضل للاستثمار، وستملك بيئات شفافة محاربة للفساد وجاذبة لرؤوس الأموال، وبسبب طبيعتها الشبابية فهي صالحة للمشاريع المتعلقة بالتكنولوجيا الحديثة مدعومة بما اكتسبه هؤلاء الشباب من ممارسه وإيمان بمدى أهمية التقنيات الحديثة وإسقاطاتها على الحياة والواقع الاقتصادي والاجتماعي كما لاحظوا في أيام الثورات العربية وقدرتها على تحقيق أهداف الأفراد والجماعات، وتأتي حاجة الأمة لمثل هذا الصندوق كما نوهنا سابقا في مرحلة عسيرة على العالم فهو مازال يعتصر من تبعات الأزمة المالية أضف إلى ذلك ما تعانيه الأمة من فترة ما بعد الانتفاضات ولذلك فالتوقيت ذروة في الحرج والحاجة لتدخل المجلس الخليجي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. في الوقت الذي تدعم فيه قطر مشكورة ثوار ليبيا في الوقت نفسه تدعم اليابان بست سفن غاز تنقذها من ظلام دامس من دون الطاقة النووية، ولذلك فهي اليوم من يملك المبادرة ولديه المصداقية ويملك الموارد لاحتضان الأمة، ومن يعول عليه اليوم من قبل العالم والأمة ومن من الأمة لا يدعو بالعرفان لقطر المواقف وقطر الإنسان فلنكمل المسيرة ولنوصل الأمة لبر الأمان، وهي أمة عظيمة من ماضيها السحيق إلى مستقبلها البعيد وفيًة وحتى في وقت ثوراتها البيضاء كانت طهورا ومسكا، فمهما قدمنا فهو واجب ودين علينا. [email protected]